عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الإِْبْرَاءُ خَاصًّا بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ فَلاَ تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهِ أَصْلاً، وَهَذَا إِذَا ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ، أَمَّا لَوِ ادَّعَاهُ لِغَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِصَايَةٍ فَإِنَّ دَعْوَاهُ تُسْمَعُ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ أَقَرَّ بِعَيْنٍ لِغَيْرِهِ، فَكَمَا لاَ يَمْلِكُ أَنْ يَدَّعِيَهَا لِنَفْسِهِ لاَ يَمْلِكُ أَنْ يَدَّعِيَهَا لِغَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِصَايَةٍ.
وَلاَ يَشْمَل الإِْبْرَاءُ ضَمَانَ الاِسْتِحْقَاقِ، لِعَدَمِ تَنَاوُلِهِ ذَلِكَ الضَّمَانَ الْحَادِثَ بَعْدَ الاِسْتِحْقَاقِ وَبَعْدَ الْحُكْمِ بِالرُّجُوعِ بِهِ، وَكُل ذَلِكَ لاَحِقٌ بَعْدَ الإِْبْرَاءِ. وَقَدْ عَبَّرَ عَنْ هَذَا الشُّمُول وَحُدُودِهِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ بِقَوْلِهِ: " الْبَرَاءَةُ السَّابِقَةُ لاَ تَعْمَل فِي الدَّيْنِ اللاَّحِقِ ". (١)
وَمِمَّا صَرَّحَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ هُنَا أَنَّهُ لاَ تُقْبَل دَعْوَى الْمُبْرِئِ أَنَّ الإِْبْرَاءَ إِنَّمَا كَانَ مِمَّا وَقَعَتْ فِيهِ الْخُصُومَةُ فَقَطْ، وَكَذَا إِذَا قَال: لَيْسَ قَصْدِي عُمُومَ الإِْبْرَاءِ بَل تَعَلُّقَهُ بِشَيْءٍ خَاصٍّ، وَهُوَ كَذَا، فَلاَ يُقْبَل مِنْهُ.
وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ، فَفِي ادِّعَاءِ اسْتِثْنَاءِ بَعْضِ الدَّيْنِ بِقَلْبِهِ يُقْبَل، وَلِخَصْمِهِ تَحْلِيفُهُ.
وَلاَ بُدَّ مِنَ الإِْثْبَاتِ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ الْحَقَّ الْمُدَّعَى بِهِ حَصَل بَعْدَ الإِْبْرَاءِ لِتُقْبَل دَعْوَاهُ بِهِ، كَمَا لاَ تُقْبَل دَعْوَاهُ الْجَهْل بِقَدْرِ الْمُبْرَأِ مِنْهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، وَكَذَلِكَ دَعْوَى النِّسْيَانِ. أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ فَصَّلُوا فِي الْجَهْل بَيْنَ مَا إِذَا بَاشَرَ سَبَبَ الدَّيْنِ بِنَفْسِهِ، أَوْ رُوجِعَ إِلَيْهِ عِنْدَ السَّبَبِ
(١) المجلة العدلية المادة ١٥٦٥ و١٦٤٩، والدسوقي ٣ / ٤١١، والفتاوى الخانية ٣ / ١٤٠، وشرح الروض ٢ / ٣٠٩، ٣١٠
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute