وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ مَغْلُوبًا، بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْ صِفَاتِهِ شَيْءٌ، بِشَرْطِ أَنْ يَشْرَبَ الطِّفْل الْجَمِيعَ أَوْ يَشْرَبَ بَعْضَهُ، إِذَا تَحَقَّقَ أَنَّ اللَّبَنَ قَدْ وَصَل إِلَى الْجَوْفِ بِأَنْ بَقِيَ مِنْهُ أَقَل مِنْ قَدْرِ اللَّبَنِ، وَأَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ مِقْدَارًا لَوِ انْفَرَدَ لأََثَّرَ (١) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: اللَّبَنُ الْمَشُوبُ كَالْمَحْضِ فِي إِثْبَاتِ التَّحْرِيمِ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالْمَشُوبُ هُوَ الْمُخْتَلِطُ بِغَيْرِهِ، وَالْمَحْضُ هُوَ الْخَالِصُ الَّذِي لاَ يُخَالِطُهُ سِوَاهُ، سَوَاءٌ شِيبَ بِطَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ غَالِبًا أَوْ مَغْلُوبًا، وَقَال أَبُو بَكْرٍ: قِيَاسُ قَوْل أَحْمَدَ أَنَّهُ لاَ يُحَرِّمُ؛ لأَِنَّهُ وَجُورٌ. وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ حَامِدٍ أَنَّهُ قَال: إِنْ كَانَ الْغَالِبُ اللَّبَنَ حَرَّمَ وَإِلاَّ فَلاَ؛ لأَِنَّ الْحُكْمَ لِلأَْغْلَبِ؛ وَلأَِنَّهُ يَزُول بِكَوْنِهِ مَغْلُوبًا الاِسْمُ وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ بِهِ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَوَجْهُ الأَْوَّل أَنَّ اللَّبَنَ الْمَغْلُوبَ مَتَى كَانَ لَوْنُهُ ظَاهِرًا فَقَدْ حَصَل شُرْبُهُ وَيَحْصُل مِنْهُ إِنْبَاتُ اللَّحْمِ وَإِنْشَازُ الْعَظْمِ فَحَرَّمَ، كَمَا لَوْ كَانَ غَالِبًا، وَهَذَا فِيمَا إِذَا كَانَتْ صِفَاتُ اللَّبَنِ بَاقِيَةً.
فَأَمَّا إِنْ صُبَّ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِهِ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ التَّحْرِيمُ؛ لأَِنَّ هَذَا لَيْسَ بِلَبَنٍ مَشُوبٍ وَلاَ يَحْصُل بِهِ التَّغَذِّي وَلاَ إِنْبَاتُ اللَّحْمِ وَلاَ إِنْشَازُ الْعَظْمِ فَلَيْسَ بِرَضَاعٍ وَلاَ فِي مَعْنَاهُ، فَوَجَبَ أَنْ لاَ يَثْبُتَ حُكْمُهُ فِيهِ. وَحُكِيَ عَنِ
(١) نهاية المحتاج ٧ / ١٧٢ - ١٧٣، روضة الطالبين ٩ / ٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute