وَالْحِكْمَةُ فِي اشْتِرَاطِ هَذِهِ الشَّرِيطَةِ، أَنَّ الْحَوَالَةَ - سَوَاءٌ جَرَيْنَا عَلَى أَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ أَوْ لَيْسَتْ بِمُعَاوَضَةٍ - عَقْدُ إِرْفَاقٍ يُقْصَدُ بِهِ الإِْيفَاءُ وَالاِسْتِيفَاءُ، لاَ الاِسْتِرْبَاحُ وَالاِسْتِكْثَارُ، فَلَوْ أَذِنَ بِالتَّفَاوُتِ فِيهَا لَتَبَارَى الْمُتَعَامِلُونَ بِهَا، كُلٌّ يُرِيدُ أَنْ يَغْبِنَ الآْخَرَ، وَيُصِيبَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَتْرُكُ لَهُ، وَهَذَا خِلاَفُ مَوْضُوعِهَا. ثُمَّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ لاَ يَشْتَرِطُونَ رِضَا الْمُحَال، كَيْفَ يُعْقَل إِجْبَارُهُ مَعَ اخْتِلاَفِ الدَّيْنَيْنِ؟
وَمُبَالَغَةً فِي اتِّقَاءِ التَّفَاوُتِ مَنَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ صِحَّةَ الْحَوَالَةِ بِأَلْفٍ عَلَى شَخْصَيْنِ، كُلٌّ مِنْهُمَا مَدِينٌ لِلْمُحِيل بِأَلْفٍ عَلَى التَّضَامُنِ، عَلَى أَنْ يُطَالِبَ الْمُحَال أَيَّهُمَا شَاءَ، وَعُلِّل الْمَنْعُ بِأَنَّ الْمُحَال يَسْتَفِيدُ زِيَادَةً فِي الْمُطَالَبَةِ، إِذْ كَانَ قَبْل الْحَوَالَةِ يُطَالِبُ وَاحِدًا، فَصَارَ بَعْدَهَا يُطَالِبُ اثْنَيْنِ. وَإِنْ كَانَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا يُخَالِفُهُ، وَيُصَحِّحُ هَذِهِ الْحَوَالَةَ، لأَِنَّ الْمُحَال، مَهْمَا اسْتَفَادَ مِنْ زِيَادَةِ مُطَالَبَةٍ، فَلَنْ يَأْخُذَ إِلاَّ قَدْرَ حَقِّهِ، وَمَا يَزَال الْمُتَأَخِّرُونَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مُتَأَرْجِحِينَ بَيْنَ هَذَيْنِ الرَّأْيَيْنِ: فَبَيْنَا يُصَحِّحُ الْبُلْقِينِيُّ وَالسُّبْكِيُّ الأَْوَّل، يَأْخُذُ الرَّمْلِيُّ الْكَبِيرُ بِالثَّانِي.
هَكَذَا قَرَّرَ الشَّافِعِيَّةُ هَذِهِ الشَّرِيطَةَ، وَفْقَ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْمَذْهَبُ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يُنَازِعُ فِي شَرِيطَةِ التَّسَاوِي فِي الصِّفَةِ إِذَا كَانَ التَّفَاوُتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute