﴿وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ﴾: والغيث أهم أسباب الحياة: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَىْءٍ حَىٍّ﴾ [الأنبياء: ٣٠]، وذكر الغيث - ماء السماء - أولاً؛ لأنه سبب الزرع والغذاء والحياة.
وينزل الغيث: بصيغة المضارع؛ لتدل على التجدد والتكرار والاستمرار. ولم يقل المطر؛ لأن الغيث يحمل معنى الخير والمطر يحمل معنى الشر (من خصائص القرآن): وما نراه من الأخبار عن الأحوال الجوية ليس صحيحاً وكاملاً في كثير من الأحيان، فهم لا يعلمون كما يعلم الله كمية الأمطار وأين ستحلّ، ونوع هذه الأمطار أو الثلوج أو الرياح وشدتها، فما يخبرون به عبارة عن تنبّؤات فقط، وهذا لا يقارن بعلم الله المنزل للمطر والمشكِّل للسحب والرياح والعواصف.
﴿وَيَعْلَمُ مَا فِى الْأَرْحَامِ﴾: ما: للعاقل وغير العاقل في أرحام كل أنثى من النّساء وغيرها من أرحام والجن والحيوان، يعلم الجنس ذكراً أو أنثى، ويعلم إن كان توأماً أم أكثر أو عدد الأجنة، ويعلم هل الجنين تام أو ناقص، وإذا فيه تشوهات خلقية أم لا، يعلم زمن وساعة ولادته، يعلم ما تغيض الأرحام وما تزداد، يعلم علماً كاملاً شاملاً لا يقتصر على ذكورة أو أنوثة أو صفة أو صفتين، يعلم هل سيحيى أم يموت ويعلم صفاته الوراثية، وتشير الآية إلى جميع الأرحام، وأما الأطباء فيعلمون شيئاً ما ولكن علمهم قاصر ولا يتعارض مع هذه الآية؛ لأن الله سبحانه منحهم القدرة على علم بعض الصفات.
﴿وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾: وما: النافية، تدري: من درى بمعنى: علم، والدراية: أخص من العلم، ولا تكون إلا بعد الجهل، والدراية تستعمل في حق البشر، ولا تستعمل في سياق الله، فبعد الولادة تأتي مرحلة الكسب،