بالقسر والإكراه، وإذا تأملنا الآية نجد الفعلين (نشأ، ننزل) بصيغة المضارع، بينما (فظلت) بصيغة الماضي؛ أي: كيف عطف الماضي على المضارع عطف مغاير يدل على أن الآية قد نزلت وخضعت لها أعناق المشركين، وفي هذا تهويل وتهديد لكي يرجعوا إلى رشدهم.
﴿فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ خاضعين: جمع خاضع (اسم فاعل) من الفعل خضع من الخضوع وهو اللين والانقياد ويكون في البدن؛ أي: يظهر على البدن، فليس المهم هو خضوع العنق، بل خضوع صاحب العنق (أيْ: قلبه) وخص الأعناق بدلاً من الذوات والأنفس لأن من تلوي عنقه تقطع عنه الهواء، فيختنق ويموت بأقل من عدة دقائق (٣ - ٥ دقائق) وفي هذا تهديد شديد لكل عاصٍ، ويدل على عظمة وقدرة الخالق العزيز الجبار. وأصل الكلام فظلت أعناقهم لها خاضعة، وقال تعالى خاضعين؛ أي: وصف الأعناق بالخضوع الذي هو صفة العقلاء فهو يريد الأعناق أن تخضع ومن ورائها أصحاب الأعناق أن يخضعوا.
والمعنى: أنت لا تستطيع أن تكره النّاس أو تجبرهم وربك يستطيع، ولكنه سبحانه لا يفعل ذلك فهو ترك لهم أن يختاروا لعل قلوبهم وأعناقهم تخضع باليقين والإرادة والمحبة وكما قال تعالى ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِى الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [يونس: ٩٩].