من حظيرتها ليلاً من دون علم صاحبها، وبقيت ترعى حتّى الصباح في الزّرع، فلم تبقِ منه شيئاً يصلح للحصاد؛ مما أدَّى إلى فساده، فاختصم صاحب الحرث (الزّرع) وصاحب الغنم إلى داود ﵇، كما ذكر أهل التفسير.
فحكم داود لصاحب الحرث أن يأخذ الغنم ويصبح مُلكاً له بدلاً من زرعه الّذي أتلفه الغنم، وسأل سليمان الخصمين بماذا حكم داود فأخبروه بذلك، فقال: انصرفا معي فأتى داود فقال: يا نبي الله إنّك حكمت بكذا وكذا، وإنّي رأيت ما هو أرفق بالجميع فقال: ما هو؟ فقال: نعطي الغنم إلى صاحب الحرث (الزّرع) كي يستفيد من لبنها وأصوافها وأولادها إذا ولدت في ذلك الزّمن، ونعطي الأرض لصاحب الغنم كي يُصلحها ويزرعها حتّى تعود كما كانت، عندها يأخذ صاحب الغنم غنمه وصاحب الزّرع زرعه. هذا ما ذكره القرطبي في تفسيره
﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾: أيْ: حاضرين أو مراقبين.
﴿فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ﴾: الفاء للتعقيب والمباشرة، فهمناها: الهاء تعود على الخصومة أو الدّعوى، فهمناها سليمان: خصَّ الفهم بسليمان والفهم هو تصور المعنى، أي: الإدراك الخفي للمسألة أو العلم بمعاني الكلام أو فطنة + علم، والعلم هو الإدراك سواء كان خفياً أو جلياً، أي: كلّ فاهِم لا يعني أنّه عالم وكلّ عالم هو فاهِم.
﴿وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾: وكلاً أيْ: داود وسليمان آتيناه حكماً وعلماً، حكماً: القدرة على حل الخصومات والقضاء في الدّعوى، وحكماً من الحكمة: الفهم وتدبر الأمور، وعلماً: علماً بأمور الدّين والفتوى والقضاء.
فكلاهما آتيناه حكماً وعلماً، فلا يظن أحد أنّ داود أقل علماً أو حكماً من