فأرسل السلطان خلف الأمير بيدرا بحضرة الأمراء ووبخه بالكلام بين الأمراء، وتوعده بكل سُوءٍ، فتلطف به الأمير بيدرا في الكلام حتى خرج من بين يديه، فاجتمع بأعيان خُشدَاشينه وَهُمْ الأمير حسام الدين لاجين المنصوري، والأمير شمس الدين قراسنقر، وغيرهما من الأمراء ممن هُوَ مِنْ عُصبتهِ، فاتفق رأيهُمْ عَلى الوَثوب عَلى السلطان في ذلك المكان، وكان السلطان أعطى لكل من الأمراء دستورًا بأن يتوجهوا إلى القاهرة إلى حين يَعُود السلطان، فلم يبق مَعهُ سوى بعض مماليك من خواصه.
فلما كان يوم السبت خامس المُحرم ركب السلطان مُنفردًا وَحدَهُ، وَليسَ مَعَهُ سوى الأمير شهاب الدين ابن الأشد أمير شكار.
فلما بلغ الأمير بيدرا ذلك قال:"هذا أوان انتهاز الفرصة"، فأرسل خلف خشداشينه وهم: الأمير قراسُنقر، ولاجين، وبهادر رأس نوبة، واقسنقر الحسامي، وغيرهم من الأمراء والخاصكيّة، فشدوا تراكيشهمْ فِي أَوْسَاطُهُمْ وركبوا خيولهم، وَسَاقُوا خلف السلطان فوجدوه منفردًا وحده وَليسَ مَعَهُ سوى شهاب الدين ابن الأشد أمير شكار، وبعض مماليك صِغَار.
فلما رأى السلطان الأمراء وَهُمْ قَاصدينه، وكانوا نحو عشرة مِنَ الأمراء والخاصكية، فأحس منهم بالشر، وظهر له منهم الغدر، فلما وَصَلُّوا إِليه عَاجِلُوهُ بالحسام قبل الكلام، فأول من ابتدأه بالحسام الأمير بيدرا النائب، فضربه بالسيف على يدّهِ، فصَاحَ عليه الأمير لاجين، وقال له:"يا نحس من يُريد أن يتسلطن يضرب هذه الضربة".
ثم ضربه لاجين على كتفه ضربة، فوقع إلى الأرض، فجاء الأمير بهادر رأس نوبة ونزل عن فرسهِ، وَأدْخل السيف من دبره، وأطلعه من حَلَقِهِ، وبقى كلَّ وَاحِدٍ مِنْ الأمراء يظهر ما في نفسه من الأشرف خليل، ثم تركوه ميتًا [٢٤/ ١] في المكان الذي قتل به.
ثُم رَدُوا إِلى الوِطَاقِ، وَاشْتَورُوا فيمن يسلطئُوهُ، فوقع رأيهِمْ عَلَى سَلطنة الأمير بيدرا النائب، فحلفوا له الأمراء، وَبَاسُوا له الأرض، ولقبوه بالملك الأمجد، وقيل:"بالملك الرحيم".