للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بشيء البتة. على أن الكتب التي ألفها، والملاحظات التي أودعها في هذه الكتب عن نفسه وعن حوادث عصره ورجاله تدلنا على الكثير من كنه شخصيته الكبيرة، فضخامة مؤلفاته برهان على أنه ظل طوال حياته مجدًا في الكتابة، ودؤوبًا على تدوين الحوادث يومًا يومًا وشهرًا شهرًا في الأجزاء المعاصرة من تاريخه يشهد على دقة ملاحظاته وشدة استقصائه للحقائق، وقوته في الحكم على الناس تخبر بعلو مستواه الخلقي.

وتناوله تاريخ الحكم العثماني في مصر بالنقد والسخرية أحيانًا لإهمال رجاله مصالح المصريين، بالرغم مما أحاط السيادة العثمانية في القاهرة من رهبة وخشية يعطيه مكانة سامية بين المؤرخين وغير المؤرخين. بل وربما كان موقفه من الحكم العثماني هو السبب في خفاء ترجمته من كتب التراجم" (١).

كما اتسم ابن إياس بثقته في نفسه، وظهر ذلك واضحًا من قوله أثناء الانتهاء من سرد أحداث سلطنة السلطان بيبرس، يقول: "قلت: وأخبار الملك الظاهر بيبرس كثيرة، في عدة مجلدات، والغالب فيها موضوع، ليس له حقيقة، والذي أوردناه هنا هي الأخبار الصحيحة، التي ذكرها العلماء من المؤرخين" (٢).

[٨ - وفاته]

لم أعثر على تاريخ مؤكد لوفاته إلا أنه توفي بعد سنة ٩٣٠ هـ/ ١٥٢٤ م، لأنه ذكر في كتابه "بدائع الزهور" قصيدة يتناول فيها أسماء الحكام بالديار المصرية منذ أيبك حتى عهده، وذلك في أخر حديثه عن سلطنة عز الدين أيبك: "وبعده أحمد الباشاه .. بسيفو جال" (٣) وأحمد باشا تولى مصر وعصى السلطان سليمان العثماني في شوال سنة ٩٣٠ هـ، واستمر ستة أشهر ثم قتل، وعلى هذا أن ابن إياس عاش بعد ذلك التاريخ، وقد جاوز ثمانية والسبعين من العمر، رحمة واسعة.


(١) ابن إياس مؤرخ الفتح العثماني لمصر، ٥٣.
(٢) بدائع الزهور ١/ ١/ ٣٤١.
(٣) بدائع الزهور ١/ ١/ ٢٩٦، جواهر السلوك ١١٢.

<<  <   >  >>