للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحركات أموالا لا تحصى، وهو ثابت على سرير مُلكه، لم يتزحزح، ولم يخرج إليهم، وقد جرد في أيام نحو تسعة تجاريد (١)، وهو ينتصر عليهم، وكان في هذه المدة لم يختلف عليه من العسكر اثنان، وحوى من المماليك ما لا حواه غيره من الملوك، واجتهد فيهم وعلمهم أنواع الفروسية من كل فن.

ومن الحوادث في أيامه: أنه نادى في القاهرة بأن امرأة لا تلبس عصابة مقنزعة ولا عُصابة قصيرة، وأمر المحتسب بأن يكتب قسائم على الذي يبيعوا الأوراق للنساء بأن تكون كل ورقة طولها نصف ذراع، فصاروا يختمونها بختمين حتى لا يقضوا منها شيئًا، وصار المحتسب يطوف في الشوارع، فإن وجد امرأة بعصابه مقنزعه ضربها وجرَّسها في القاهرة وعصابتها في عُنقها، فعُسر ذلك على النسوان، وصاروا لما يخرجن إلى الطرقات يكشفن رؤوسهن ويمشون بلا عصائب، واستمر الأمر على ذلك، ثم صاروا لما يخرجن إلى الأسواق يلبسن العصائب الطوال التي رسم بها السلطان، وفي ذلك يقول زين الدين ابن النحاس الشاعر:

أمر الامام مليكنا بعصائب … في لبسها عُسر على النسوان

فقلقن ثم أطعنه ولبسنها … ودخلن تحت عصائب السلطان (٢)

[فائدة لطيفة]

قيل: أن العيد إذا جاء يوم الجمعة يكون ذلك فيه على السلطان قطع وما ذاك إلا أنه يُدعا له في ذلك اليوم على المنابر مرَّتين، فيُقال أن فيه انتهاء سعد السلطان، وقد جاء في أيام الملك الأشرف قايتباي خمسة أعياد كل منهم في يوم الجمعة، فعيد فطر يوم الجمعة في سنة ثمان وسبعين وثمانمائة، وعيد فطر أيضا في سنة ست وثمانين، وعيد نحر في سنة ثمان وثمانين، وعيد نحر أيضًا في سنة ست وتسعين، وعيد فطر أيضًا في سنة تسع وتسعين وثمانمائة، فهذه خمسة أعياد جاءت في أيام دولته في يوم الجمعة، وقد مكث هذه المدة الطويلة ولم يأثر فيه القطع كما يُقالُ، وقد قال بعضهم في المعنى:


(١) في بدائع الزهور ٣/ ٣٢٥: "ست عشرة تجريدة".
(٢) بحر الكامل.

<<  <   >  >>