للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأمر بوضع السيف فيهم ثلاثة أيام، ثم إن القضاة والعلماء طلعوا إليه وشفعوا فيهم، فعفى عنهم بعد ما قتل منهم جماعة كثيرة، ثم إنه ندم بعد ذلك على ما فعل، فأمر ببناء هذا البيمارستان، وأوقف عليه هذه الأوقاف الكثيرة، وفعل هذه الخيرات العظيمة، ليكفِّرَ الله تعالى عنه ما فعله بالناس؛ مما تقدم ذكره؛ والله أعلم بحقيقة ذلك. انتهى.

وفي سنة ثلاث وثمانين وستمائة، فيها: توجه السلطان إلى البلاد الشامية لتفقد الأحوال، فوصل إلى حصن المرقب (١)، فحاصره مدة ثمانية وثلاثين يومًا، ثم أخذه بالأمان، ورجع إلى الديار المصرية.

ثم دخلت سنة أربع وثمانين وستمائة، فيها: أرسل السلطان الأمير طرنطاي نائب السلطنة إلى حصار سنقر الأشقر، الذي تقدم أنه تسلطن بدمشق، ولما تلاشى أمره هرب إلى صهيون، وعصى بها، فلما وصل إليه الأمير طرنطاي النائب، فحاصره أشد الحصار، فعند ذلك أذعن (٢) للطاعة، وأرسل يطلب الأمان، فأجابه الأمير طرنطاي إلى ذلك، فنزل سنقر الأشقر إلى الأمير طرنطاي فتعانقا وتحالفا لبعضهما، فلما استوثق منه سنقر الأشقر أخذ عياله وأولاده وسافر صحبة الأمير طرنطاي قاصدًا للديار المصرية.

فلما بلغ السلطان الملك المنصور قلاون مجيء سنقر الأشقر، خرج إلى تلقيه، فاجتمعا عند مسجد التبن بالقرب من المطريّة، وكان ذلك في يوم السبت ثالث عشر ربيع الأول من السنة المذكورة، فلما وقعت عين سنقر الأشقر على السلطان قلاون ترجل عن فرسه، وكان بلا سيف مشدود الوسط بمنديل (٣)، فلما قُربَ منه الملك المنصور قلاون ترجل له السلطان أيضًا، ومشى له خطوات وتعانقا، ثم بكى سنقر الأشقر، فَرَقَّ له السلطان وأخلع عليه، واركبه فرس، وركب إلى جانب السلطان حتى طلعا إلى القلعة، ثم نزل إلى مكان عُدَّ له.

وفي سنة خمس وثمانين وستمائة، فيها: قبض السلطان على مملوكه الأمير علم الدين سنجر الشجاعي، وصادره واحتاط على مَوَجُودِهِ، ثم عصره


(١) بلد وقلعة حصينة تشرف على ساحل بحر الشام. (معجم البلدان ٥/ ١٠٨).
(٢) في الأصل "أدعن".
(٣) في الأصل "منذيل".

<<  <   >  >>