للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إن السلطان عين جماعة من الأمراء والعسكر بأن يخرجوا إلى البحيرة بسبب فساد العربان فلم يخرج أحد من الأمراء ولا العسكر، ثم أشيع بين الناس أن السلطان يقصد أن يمسك جماعة من الأمراء، فامتنع الأمراء عن الطلوع إلى القلعة، وصاروا يجتمعون في بيت المقر السيفي قانصوه خال السلطان.

فلما كان يوم الإثنين تاسع عشرين صفر نادى السلطان بالعرض للعسكر في الميدان الذي تحت القلعة، فلما طلع العسكر إلى الرملة، وقفوا ساعة فلم ينزل إليهم السلطان، فانفض المجلس مانع.

فلما كان مستهل شهر ربيع الأول طلع القضاة الأربعة يهنون بالشهر، فرسم السلطان لهم بأن يحلف الأمراء والعسكر بحضرتهم فاحضروا لهم المصحف العُثماني عند باب المدرج بحضرة نائب القلعة، فصاروا يحلفوا المماليك طبقة بعد طبقة بحضرة القضاة، ثم إن الأمراء والعسكر قالوا: "مثلما حلفنا للسلطان، يحلف لنا هو أيضًا بأنه لا يمسك منا أحدًا"، فلم يوافق السلطان على ذلك، وكان المتكلم بين السلطان وبين الأمراء الأمير تاني بك الجمالي أمير سلاح.

فلما جرى ذلك أنفض المجلس، مانع ولم يحلف السلطان، واستمر الحال على ذلك، والأمراء لم يطلعوا إلى القلعة، ولم يُصلوا الجمعة مع السلطان، ولم يمكنوا الأمير قانصوه الدوادار خال السلطان من الطلوع إلى القلعة.

ثم إن السلطان رسم لنقيب الجيش بأن يتوجه إلى جماعة من الأمراء ويقول لهم: "السلطان رسم بأن تكتبوا وصيّة وتخرجوا إلى مكة أو القدس"، فلم يلتفتوا إلى كلامه، وكان عول على مسك ستة من [ب/ ٢٥٨] الأمراء، وهم: الأمير طومان باي الدوادار الثاني، والأمير طراباي، والأمير أزدمر، والأمير أنس باي، والأمير قانصوه الدوادار خال السلطان، والأمير تاني بك الجمالي، على ما قيل، وأشيع بين الناس.

فعند ذلك نفرت منه قلوب العسكر، وتغيّر خاطرهم عليه قاطبة، بسبب هذه الأفعال القبيحة التي تقع منه في حق الناس وبهدلته لحرمة المملكة، ومعاشرته للأطراف من العوام، ونزوله بالليل مع جماعة من العبيد، وقد خرج عن طور الملوك، وزاد بالجهل عن الحدّ في أفعاله الشنيعة، وخرج في قبح أموره عن الشريعة، قد قلتُ:

<<  <   >  >>