للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كم زمان بكيت منه فلما … صرت في غيره بكيتُ عليه (١)

ثم دخلت سنة أربع وتسعمائة، فيها: أوفى النيل المبارك في تاسع عشرين (٢)

مسرى الموافق لرابع المحرم، وكان السلطان الملك الناصر محمد عول على أنه ينزل بنفسه، ويكسر السدّ، وأنه [١/ ٢٥٧] يفتك ويخرج في الفتك عن الحد، ورسم للأمراء بأن كل واحد منهم يزين له حراقة يوم الوفاء، فمنع الأمراء السلطان من النزول إلى كسر البحر، وحرجوا عليه في ذلك، فحنق منهم.

فلما أوفى النيل تلك الليلة نزل السلطان بعد العشاء بعشرين درجة، وتوجه إلى السد ومعه بعض مماليك، وخاصكية فكسر السدّ نصف الليل، وهو واقف على فرسه، وحوله جماعة من العبيد النفطية والغلمان، ثم توجه إلى قنطرة قديدار، فكسر السدّ الذي هناك أيضًا، ثم طلع إلى القلعة وكل ذلك تحت الليل.

فلما أصبح الناسُ رأوا الماء قد عمَّ الخُلجان، والبرك، وبطل فرجة الناس بيوم الوفاء، ثم بعد ذلك بأيام توجه السلطان إلى جسر بني منجا وكسره أيضًا بنفسه، ثم صار ينزل في كل جمعة مرتين إلى بركة الرّطلي، ويشق البركة في مركب، ومعه جماعة من العوام العُيَّاق، وأمر سكان البركة بأن يُوقدوا في كل بيت وقده من القناديل، والأحمال، والتريات، وغير ذلك فأقاموا يُوقدون في كل ليلة وقده عظيمة نحو من عشرين ليلة، وهو يشق البركة في مركب، كما تقدم.

وقد خرج في هذه الأيام عن الحدّ في اللهو والمخلعة، ومع هذا أنه كان لا يشرب الخمر، ويكره من يشربه، ثم إنه خطر بباله أن يتوجه إلى حلب على حين غفلة، ولم يعلم أحدًا من العسكر كما فعل والده الملك الأشرف قايتباي، وكان الملك الناصر هواه مع الأمير أقبردي الدوادار في الباطن، فقصد بأن يتوجه إلى حلب، ويكون عونا للأمير أقبردي حتى يُدخله إلى مصر، فعبي له سنيح في تربة والده، وعيّن جماعة من الخاصكية بأن يتوجهوا معه وقصد أن يخرج في ليلة الجمعة في العشرين [١/ ٢٥٨] من المحرم.

فلما بلغ الأمراء ذلك منعوه من السفر، وتوجهوا جماعة من المماليك إلى نحو التربة، ونهبوا جميع ما كان قد عبّاهُ من السنيح ورجعوا.

فلما كان مستهل صفر كثر القيل والقال بين الأمراء والعسكر واضطربت الأحوال.


(١) بحر الخفيف؛ لم يرد في بدائع الزهور.
(٢) في بدائع الزهور ٣/ ٣٩٦: "تاسع عشر".

<<  <   >  >>