للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حوله، فلما رأى السلطان ذلك فشق عليه هذا الأمر، وطلع من باب السلسلة بعد العصر، فلزم الفراش [أ/ ٢٣٩] (١) ومرض مرضا شديدًا واشتد به الألم.

ثم إن النيل أوفى في أثناء ذلك فتوجه الأتابكي تمراز إلى المقياس، ثم رجع في الحراقة وكسر السد على جاري العادة، وطلع إلى القلعة ولبس خلعته على العادة، وكل ذلك والسلطان على غير استواء.

فلما كان يوم الجمعة خامس عشرين ذي القعدة دخل الأتابكي تمراز إلى السلطان، وقال له: "يا مولانا السلطان إن الأحوال قد فسدت، وكثر القال والقيل، ومن الرأي أن نُسلطن سيدي"؛ فلم يرد عليه السلطان جواب، فأقام عنده ساعة، ثم نزل، وأخذ سيدي ابن السلطان معه، وتوجه إلى باب السلسلة، وجلس بالحراقة التي في الإسطبل السلطاني، وأرسل خلف الأمير أقبردي الدوادار، فأبطا عليه، فلم يشعر الأتابكي تمراز إلا وقد أتته الطامة الكبرى، وهو أن الأمير قانصوه خمسمائة وخَشْداشينه، والأمير كرتباي الأحمر، وجماعة كثيرة من العسكر، طلعوا إلى باب السلسلة، وملكوه، وقبضوا على الأتابكي تمراز وقيدوه، وسجنوه في البرج الذي في باب السلسلة.

فلما بلغ الأمير أقبردي ذلك هرب من بيته، ومن كان عنده من خُشْداشينه فتشتتوا أجمعين، ثم إن العوام نهبوا بيت الأمير أقبردي، وبيوت الأمراء الذي (٢) اختفوا معه.

فلما كان يوم السبت سادس عشرين ذي القعدة اجتمع الأمراء والعسكر في باب السلسلة، وأحضروا الخليفة المتوكل على الله عبد العزيز، والقضاة الأربعة، وخلعوا الملك الأشرف قايتباي من السلطنة، وولوا ابنه المقر الناصري محمد سلطانا عوضًا عن أبيه، وكل ذلك والسلطان في النزع.

فلما أصبحوا يوم الأحد سابع عشرين ذي القعدة من سنة إحدى وتسعمائة توفي السلطان الملك الأشرف قايتباي إلى رحمة الله تعالى، فبات تلك الليلة بالقلعة، فإنه مات بعد [ب/ ٢٣٩] العصر، فأطلقوا له مدراء في القاهرة.


(١) جاءت حاشية بخط المؤلف على هامش الصفحة: "ومن الحوادث في أيامه أن خام السلطان أحترق جميعه ولم يسلم منه سوى المدورة التي برسم المولد الشريف، وكان هذا الخام في حاصل بالقرب من البحيرة مطل على حوش العرب ولم يُعلم سبب وصول النار إلى ذلك الخام حتى احترق، وكان ذلك بالنهار بعد العصر، فاستمرت النار عماله في الخام إلى بعد العشاء حتى خمدت. انتهى ذلك".
(٢) كذا في الأصل، والصواب "الذين".

<<  <   >  >>