للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم أشيع بين الناس أن هذه النفقة على وجهين، الوجه الأول: أن السلطان قال: "أنا ما نفقت للعسكر لما تسلطنت شيئًا، وهذه عُوَضًا عنها"؛ والوجه الثاني: أن السلطان قصد إظهار الأمير قانصوه خمسمائة، وكان له به عناية في الباطن، فنفق هذه النفقة حتى أرضى العسكر لأجل ذلك.

وكان مال هذه النفقة قاعدة مهيئة، وهي الخمسة أشهر التي أخذها من الأوقاف بسبب ابن عثمان، فما تحرك بعد ذلك، فنفقها على مماليكه، وضاعت في البطال، ولم تنفق في مصالح المسلمين، ولم ترد إلى أربابها، وقد تحمل إثم ذلك عليه إلى يوم القيامة.

وقد تقدم أن الملك الأشرف برسباي صادر أولاد الناس من أجناد الحلقة، بسبب إقطاعاتهم لأجل بعض الخوارج، فما تحرك عليه ذلك الخارجي في تلك السنة.

ثم في عقيب ذلك مرض الأشرف برسباي فرسم بإعادة ما أخذ من أولاد الناس، فأعيد (١) لهم ذلك، وبقى أجر ذلك في صحيفته إلى يوم القيامة، والإلهام من الله تعالى للعبد.

فلما كان أواخر شهر شوال من السنة المذكورة ظهر الأمير قانصوه خمسمائة، وطلع إلى القلعة، فرسم له السلطان بأن يأخذ معه تحت إبطه ثوب بعلبكي حتى يرق قلب العسكر عليه، يعني قد جاء وكفنه تحت إبطه، فلما وقف بين يدي السلطان فأخلع عليه، ونزل إلى بيته في موكب عظيم، وكان معه الأتابكي تمراز، والأمير أقبردي الدوادار، فتوجهوا معه إلى بيته الذي في قناطر السباع، ورجعوا؛ فكانت مدّة اختفاء الأمير قانصوه خمسمائة نحو سنة إلا شهرين (٢).

فأقام الأمير قانصوه في بيته مُدّة أيام يسيرة، ثم وثب المماليك الأجلاب على الأمير أقبردي، ولبسوا آلة الحرب، وطلعوا إلى الرملة وآثار الحرب بينهم وبين الأمير أقبردي، فلما بلغ السلطان ذلك نزل إلى باب السلسلة، وجلس بالمقعد المطل على سوق الخيل، وكان السلطان متوعكا في جسده، فحاصر المماليك الأمير أقبردي، وهو في بيته الذي في حدرة البقر، وأحرقوا البيوت الذي (٣).


(١) في الأصل "فأعيذ".
(٢) في بدائع الزهور ٣/ ٣٢٢: "تسعة أشهر".
(٣) كذا في الأصل، والصواب "التي".

<<  <   >  >>