فلما كان يوم الإثنين ثامن عشرين ذي القعدة شرعوا في تجهيزه وإخراجه، وكان في مُدّة مرضه مُنقطعًا في المبيت الذي بالقرب من قاعة البحرة، فمات هناك وغسل به، وقيل أنه مات بعلة البطن، ثم أخرجوه من المبيت، وأتوا به إلى قدام التكة التي كان يجلس عليها بالحوش السلطاني، فصلوا عليه هناك، ثم نزلوا به من باب المدرج، والعسكر مشاه قدامه، وكانت جنازته مشهودة، فتوجهوا به إلى تُربته التي أنشأها بالقرب من الشيخ عبد الله المنوفي.
ومات الملك الأشرف قايتباي وقد ناف في عُمره عن ثمانين سنة، فتصرم عمره، وزالت أيامه، وذهب كأنه لم يكن، وقد ساوى الله تعالى بين الغني والفقير بالموت، ولم يُغني عنه ماله وهلك عنه سلطانه، وقد قيل في المعنى:
إن الذي أعتز بالدنيا وزينتها … وظل فيها بحب المال مفتونا
أتت إليه المنايا وهي مُسرعة … فأصبح الجسم تحت الترب مدفونا
قد فارق الأهل والأوطان وانقطعت … آماله وغدا في القبر مرهونا
خلا بأعماله ما كان من حسن … أو من قبيح به قد صار مقرونا (١)
فكانت مُدّة سلطنته بالديار المصرية والبلاد الشامية تسعة وعشرين سنة وأربعة أشهر وأحد وعشرين يومًا، وهذه المدة لم تتفق لأحد قبله من ملوك الترك في ولاية واحدة، وقد ساعده الزمان، ومنذ نشأ من مبتدأه إلى منتهاه وهو في عز وعظمة لم ير ضيقًا قط، ولم يُسجن، ولم يُقيد، ولم يُنف كعادة الأمراء، بل عاش في أرغد عيش قبل السلطنة وبعد السلطنة إلى أن مات على فراشة بعد هذه المدة الطويلة التي لم تتفق لأحدٍ قبله ولا بعده، وقد وعده الله تعالى [٢٤٠/ ١] بذلك أن الله لا يُخلف الميعاد.
وكان صفته رجلًا طويل القامة، عربي الوجه، مُصفر اللون، أبيض اللحية، نحيف الجسد، مهاب الشكل، مُبجلاً في مواكبه، شجاعًا بطلًا، مِقدَامًا، مَوصُوفًا بالفروسية، وافر العقل، ثابت الجنان، غير عجول في الأمور، يتروى في عمل الشيء قبل وقوعه، بطيء العزل لأرباب الوظائف، عارفًا بأحوال المملكة، يضع الأشياء في محلها، غير مُسرف في الأموال، وكان محبا لجمع الأموال بسبب التجاريد، وقد تحرك عليه في أيامه شاه شوار، وحسن بك الطويل ملك العراقين، وابن عثمان ملك الروم، فجرَّدَ إليهم عدّة تجاريد، وأصرف في هذه