للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما تقدم؛ وخرج في ثالث مرَّة بسبب نُورُوز وشيخ لما أظهروا العصيان، وهي التجريدة التي قتل فيها.

فلما رحل الملك الناصر ووصل إلى غزة، فصار غالب المماليك السلطانية يتسحبون من عنده، ويتوجهون إلى نُورُوز وشيخ، فقوى أمر نُورُوز وشيخ، واجتمع عندهما عسكر عظيم من النواب والأمراء والمماليك السلطانية والعربان والعشير، فكان عندهما من الأمراء والنواب ما يزيد على عشرين أميرًا، منهم: قُرقماس المسمى بسيدي الكبير، والأمير بكتمر جلق، والأمير سُودُون المحمدي، والأمير شاهين الأفرم، والأمير طوغان الحسني، وغير هؤلاء من النواب.

فلما وصل الملك الناصر إلى دمشق، فصار نُورُوز وشيخ يتوجهان في كل يوم من بلد إلى بلد، والملك الناصر في أثرهما سوقًا هو ومن معه من العسكر، وقد انقطع منهم جماعة كثيرة من شدة السوق والتعب إلى أن وصل إلى اللجون (١).

فلما كان يوم الثلاثاء خامس عشرين المحرم من سنة خمسة عشر وثمانمائة، تلاقى الملك الناصر فرج هو ومن بقي معه من الأمراء والعسكر على اللجون، وهو مكان بالقرب من دمشق، فتلاقى (٢) الملك الناصر والنواب على اللجون بعد العصر، وهو لا يعي من شدّة السكر، فدكس عليهم فكلموه الأمراء في ذلك هم والقاضي فتح الله كاتب السرّ الشريف، وقالوا له: يا مولانا السلطان أنزل هنا ساعة حتى يستريح العسكر من التعب ويريحون خيولهم، فلم يلتفت إلى كلامهم، وقال: "أنا لي سنين انتظر هذا اليوم ومتى أن نزلت هنا ساعة يهرب النواب من وجهي".

فلما لم يسمع نُصح أحد من الأمراء، تسحب من عنده الأمير قجق (٣) أمير سلاح، وتوجه إلى عند نُورُوز وشيخ، فلما رأوا بقية العسكر هذه الأحوال الفاسدة، فلوا من حول الملك الناصر، وتوجهوا إلى النواب وهو مع ذلك مصر على رأيه الفاسد في الكبس على الأمراء والنواب، فكبس عليهم بمن بقي معه من العسكر، فلم تكن إلا ساعة يسيرة، وقد انكسر الملك الناصر فرج وهو باللجون.


(١) وهو بلد بالأردن، وبينه وبين طبرية عشرون ميلا، وإلى الرملة مدينة فلسطين أربعون ميلا. (معجم البلدان ٥/ ١٣).
(٢) في الأصل "قتلاقا".
(٣) في بدائع الزهور ١/ ٢/ ٨١٨: "قجقار القردمي".

<<  <   >  >>