للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الحوادث في أيامه، أن في سنة عشر وثمانمائة: ظهر في السماء بعد مغيب الشفق، حمرة عظيمة من الجهة الغربية، ثم اشتدت تلك الحمرة، حتى صارت كالنار الموقدة، وكان وراء تلك الحُمرة برق ساطع، فصار كلما لمع يُخيل للناظر أنها نارٌ لا محالة، ثم انتشرت تلك الحمرة، حتى كادت أن تغطي ثلث السماء، واستمر الحال على ذلك إلى نصف الليل، فخاف الناس من ذلك، وتضرعوا إلى الله تعالي بالدعاء؛ فانكشفت تلك الحمرة قليلا قليلا، حتى انجلت، فأصبح الناس يتحدثون بما وقع في تلك الليلة من العجائب (١).

ومن الحوادث في أيامه أيضًا، أن في سنة اثنتى عشر وثمانمائة أوفى النيل المبارك في أول يوم من مسري، وبلغت الزيادة في تلك السنة اثنين وعشرين ذراعًا وأصبع من ثلاثة وعشرين ذراعًا؛ فحصل بذلك في تلك السنة للناس الضرر الشامل، وغرق أكثر البساتين، وتبحرت الأرض، وانقطعت الطرق، وفي ذلك يقول بعض الشعراء:

يا رب أن النيل زاد زيادةً … أدت إلى هدم وفرط تشتت

ما ضرَّهُ لَو جَاء على عَادَاتِهِ … في دَفعه أو كان يدفع بالتي (٢)

وقال آخر في المعنى:

قد زاد هذا النيل في عامنا … فأغرق الأرض (٣) بإنعامه

وكاد أن يعطف من مائه … عرى على أزرار أهرامه (٤)

ثم دخلت سنة أربعة عشر وثمانمائة، فيها قوى عزم الملك الناصر فرج على الخروج إلى قتال نُورُوز وشيخ، فأعرض العسكر، ونفق عليهم وتجهزوا للسفر، ثم خرج الملك الناصر من القاهرة في موكب عظيم، ورسم للعسكر أن يخرجوا وهم لابسون آلة الحرب، فتوجه الملك الناصر إلى منزلة الريدانية، وصحبته الخليفة العباس والقضاة الأربعة وسائر الأمراء، وهذه التجريدة الثالثة التي خرج فيها الملك الناصر فرج بنفسه، فأنه خرج أول ما تسلطن إلى تنم الحسني نائب الشام لما أن عصى عليه؛ وخرج في ثاني مرة إلى قتال تمرلنك،


(١) ورد الخبر في بدائع الزهور ١/ ٢/ ٧٩٣ - ٧٩٤: في أحداث سنة ٨١١ هـ.
(٢) بحر الكامل؛ ولم يرد البيتان في بدائع الزهور؛ البيتان لابن أبي حجلة. (انظر: سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر، ٣/ ١٠٢).
(٣) في بدائع الزهور ١/ ٢/ ٨٠١: "الناس".
(٤) بحر السريع؛ البيتان للصفدي. (انظر: حسن المحاضرة، ٢/ ٣٦١).

<<  <   >  >>