للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما حكم العوضي، فتسلطن بحلب، وباسوا له الأرض، وحكم من الفرات إلى الشام، ثم خرج من حلب إلى قتال بعض الخوارج من التركمان، وهم قرا يوسف فقُتل في المعركة، ولا يُعرف من قتله، وكفى الله تعالى الملك الناصر شره.

فعند ذلك صفا للملك الناصر الوقت، فأخذ في أسباب قتل مماليك أبيه، فكان يقتل في كل ليلةٍ من المماليك بحسبما يختار من ذلك، فقيل: كان يخرج بعد العشاء، وهو سكران فيعرضون عليه المماليك، وهم في زناجير (١) حديد، فيقدمون إليه واحدًا بعد واحد، فيقول: "من" هذا، فيقولون له: "هذا فلان من الطبقة الفلانية"، فيذبحه بيده، ثم يدوس على وجهه برجله، وربما يبول على وجهه أو يَصُب عليه قدح نبيذ، وذكروا عنه أشياء كثيرة من هذا النمط، فقيل: أنه ذبح بيده نحو من ألفين مملوك، غير ما قتل من الأمراء وغيرهم.

وكان معذورًا في قتله لبعضهم، فأنه كان يُسامح الواحد منهم المرة والمرتين والثلاثة، وهم يعذرونه ويعصون عليه، حتى كان يقول الملك المؤيد شيخ بعد موت الملك الناصر: "ما صبر أحد من الملوك كصبر الملك الناصر فرج على مماليك أبيه، فأنه ما كان يقتل الواحد منهم، حتى يكون قد عصى عليه المرة والمرتين والثلاثة".

وجرى للملك الناصر فرج مع مماليك أبيه من الوقائع ما يطول شرحه عن هذا المختصر، وكان الأتابكي تغري بردي يرجعه عن هذه الأفعال الشنيعة، وهو لا يرجع، فلما ثقل عليه كلام الأتابكي تغري بردي استقر به نائب الشام، وأبعده عنه، وأسرف في قتل المماليك، حتى جاوز في ذلك الحد.

فعند ذلك نفرت منه قلوب المماليك، وصاروا يتسحبون من الديار المصرية، ويتوجهون إلى الأمير نوروز الحافظي، والأمير شيخ المحمودي إلى نحو البلاد الشامية، فقويت شوكة نُورُوز وشيخ، وتلاشى أمر الملك الناصر فرج، وصار حكمه لا يتجاوز إلى قطيا (٢) في غالب الأمور، ولا سيما لما عصى عليه نُورُوز وشيخ وسائر النواب، وانقلب العسكر جميعه عليه، بسبب أفعاله الشنيعة، مما تقدم ذكره من القتل وسفك الدماء.


(١) في الأصل "زناجيز".
(٢) قرية في طريق مصر في وسط الرمل قرب الفرما؛ وقد اندثرت هذه القرية، ولم يبق إلا أطلالها في الطريق بين القنطرة والعريش. (القاموس الجغرافي ١/ ١/ ٣٥٠ - ٣٥١).

<<  <   >  >>