للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم إن يَلبُغَا الناصري قيد بقيّة الأمراء، وأرسلهم إلى السجن بثغر الإسكندرية، ثم أفرج عن من كان في السجن بثغر الإسكندرية، وهم: الأمير الطنبغا الجُوبَاني، والأمير الطنبغا المعلم، والأمير قُردم الحسني، فحضروا إلى القاهرة في يوم الأربعاء سابع جمادى الآخر من السنة المذكورة، هذا ما كان من الأمور الحادثة في أوائل سلطنة الملك المنصور أمير حاج.

ومن هنا نرجع إلى أخبار الملك الظاهر برقوق، فأنه قد اختفى في ليلة الثلاثاء، كما تقدم ذكر ذلك، فبينما يَلبُغَا الناصري جالس إذ دخل عليه مملوك من مماليك أبا يزيد الخازن، يُقالُ لَهُ سُنقر، فقال ليَلبُغَا الناصري: "إنّ الملك الظاهر برقوق مُخبى عند أستاذي في بيت شخص خياط"، فطلب يَلبُغَا الناصري أبو زيد الخازن وسأله عن أمر الملك الظاهر برقوق، فأنكر ذلك، ثم أقر بأنه عنده، فقالَ لهُ يَلبُغَا الناصري: "أما سمعت المناداة، بأن من خبي السلطان برقوق عنده كانت روحه قبالة ذلك"، فقال له أبو يزيد: "يا خوند أنا ما خبيته عندي إلا وقد فرغتُ عن نفسي، فأني أكلتُ خُبزه وملحه، فلما دخل عندي ما قدرت أردَّهُ"، فقال له يَلبُغَا الناصري: "أنزل وأحضره"، ثم أرسل معه الأمير الطنبغا الجوباني.

فلما وصلوا إلى البيت الذي فيه برقوق، فطلع إليه الأمير الطنبغا الجوباني بمفرده، فلما وقعت عينه على برقوق جرى الطنبغا الجوباني ليقبل يده، فأبى برقوق من ذلك، فقال له الطنبغَا: "يا خوند أنت أستاذنا كلنا مماليكك"، فقام برقوق ولبس على رأسه عمامة وتطيلس عليها، وركب إلى جانب الطنبغا الجوباني، ومعهما أبا يزيد في الترسيم، فأطلعاه إلى الأسطبل السلطاني ومنه إلى القصر الكبير، فحبس في قاعة الفضة المُطلّة سبابيكها على الإيوان.

ثم إِنْ يَلْبُغَا الناصري قال لأبي يزيد: "أحضر لنا الذي أودعه السلطان برقوق عندك من المال"، فأحضر كيسًا فيه ألف دينار، وقال: "والله ما أودع عندي غير هذا الكيس"، فقال لهُ يَلبُغَا الناصري: "خذه لك، ومثلك من يخدم الملوك"، ثم أفرج عنه ونزل إلى بيته.

ثم إن الملك الظاهر برقوق أقام في قاعة الفضة (١) أيامًا، ورتبوا له سماطًا، وتركوا عنده مملوكين (٢) كتابية يخدماه، فأقام إلى ليلة الخميس ثاني عشرين جمادى الآخر من السنة المذكورة، فطلع إليه الأمير الطنبغا الجوباني


(١) في بدائع الزهور ١/ ٢/ ٤٠٩: "قاعة النحاس".
(٢) في بدائع الزهور ١/ ٢/ ٤٠٩: "ثلاثة مماليك".

<<  <   >  >>