للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أيا ملكا بنى جسرا بعدل … به حمل الأنام على الشريعة

له شرفٌ على الجوزاء سَامٍ … وفوق الحوت أركان مَنِيعَة (١)

وفيها في يوم الثلاثاء في ثامن ذي الحجة وصل إلى الأبواب الشريفة والد المقر الأتابكي برقوق، فخرج الناسُ قاطبة إلى ملتقاه من الأمراء وغيرهم، فتلقوه من العكرشة (٢)، وقيل: هُوَ المكان الذي التقى فيه يوسف الصديق مع أبيه يعقوب ، فلما تلاقى بَرقُوق مع أبيه تعانقًا وَرَكبَا ورجعا إلى سريَاقُوس، فنزلا بهَا، وَمَدَّ سِمَاطًا عظيمًا، وَأَقَامَ بهَا إلى وقت الظهر، فجاءتْ إليهِ سَائر أرباب الدولة من القُضَاةِ وَالوزراء وأعيان الناس.

ثُم إن الأتابكي بَرقُوق ركب من سرياقوس وتوجّه إلى القاهرة، فدخل من بَابِ النصر، وَزُينت له المدينة، فَشِقَ من القاهرة، وطلع إلى القلعة.

وَكَانَ والد الأتابكي برقوق جركسي مُغلقًا لا يعرف بالعربية ولا بالتركية شيئًا، وكان اسمه أنس، وقيل أنص بالصاد.

فلما طلع إلى القلعة تقدّم الأمير أيدمر الشمسي إلى الأتابكي بَرقُوق، وَقَالَ لَهُ: "ا خوند أنا بقيتُ رجل كبير، وشختُ وَمَا بقي يصلح لي أمرية، فخُذْ أمريتي إلى والدك، وَرَتِّبَ لي مَا يُكفيني، وأكون طرخان، فأبى الأتابكي برقوق من ذلك فلم يُقيم الأمير أيدمر الشمسي بعد ذلك سوى ثلاثة أشهر ومات، فأخذ الأتابكي أمريّته إلى وَالدِهِ أنس، فكان الفال موكل بالمنطق، وكانَ هَذَا مِنْ جُملة سعد الأتابكي برقوق (٣).

ثُم دخلت سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة، فيها جرّد الأمير آلان الشعباني إلى البحيرة، بسبب فساد العربان، فجاءت الأخبار بأن العُربان كسروا الأمير آلان، فلما سمع الأتابكي بَرقُوق بذلك أمر بتعليق الجاليش السلطاني، وخروج السلطان الملك المنصور عليّ، فاضطربت أحوال القاهرة في ذلك اليوم، فأشار بعض الأمراء على الأتابكي بَرقُوق بعدَم خروج السلطان من


(١) بحر الوافر؛ يذكر ابن إياس في بدائع الزهور: ١/ ٢/ ٢٧٩: أن البيتين لابن العطار.
(٢) شرقي العش المعروفة بالعكرشا بالقرب من سرياقوس، واليوم يطلق على بركة واقعة في الطريق الصحراوي بين القاهرة وبلبيس، وأن هذه البركة لا تزال باقية بأرض بلدة "أبو زعبل". (الانتصار، ابن دقماق ٢/ ١٠٣؛ القاموس الجغرافي ١/ ١/ ٨٦).
(٣) لم يرد الخبر في بدائع الزهور، ما ورد أن أنص توفي بعد إمرته بثلاثة أشهر.
(انظر: بدائع الزهور ١/ ٢/ ٢٧٨ - ٢٨٩).

<<  <   >  >>