للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالأمان، ثم توجه إلى طرسوس فأخذها بالأمان، وكذلك المصيصة، وفتح في تلك السنة عدة قلاع، ورجع إلى حلب، وهو منصُورٌ (١).

وفيها: جاءت الأخبار بأن منجك اليوسفى نايب الشام قدْ مُسكَ، وَكَانَ لَهُ نحو سنة مختفي، فلما حضر بين يدي السلطان كان عليه بشتْ عَسلي، وَعَلَى رَأْسِهِ ميزر أبيض، فَلمَا قَابلَ السلطان وَبخَّهُ بالكلام، ثُم عفى عنهُ وَسَامَحهُ، وَرَسَمَ لَهُ بأمرية أربعين في الشام، ويكون طرخانًا، فلبس خلعة، وخرج من يومه.

ثُم دخلت سنة اثنتين وستين وسبعمائة، فيها: تزايدت عظمة الملك الناصر حسن، وتنَاهَا أمره في الغلو، فعدّى إلى بر الجيزة، فأَقَامَ بِهَا فِي كُوم برا (٢) مُدَّة طويلة، إلى أنْ دَخلَ الشتاء، وَرَبط النَّاسُ خيولهم في الرَّبِيعِ، وَسبب ذلك أَنْ كَانَ بالقاهرة أو خام وأمراض شديدة وَوَبَاء، فَأَقَامَ السلطان هُناكَ حَتى يَزُولُ ذلكَ مِنَ القاهرة، وكان السلطان نَصبَ هُناك خيمة غريبة الشكل، لم يُعمل مثلها في الدنيا، قيل: أَهْدَاهَا له بعض مُلُوك الهند، قيل: كانَ فيها حمام، وكانت صنعة عجيبة؛ وفيهَا يَقُولُ الشيخ شهاب الدين ابن أبي حجلة التلمساني:

حوت خيمة السلطان كُلِّ عجيبة … فأمسيتُ منها باهتًا أَتَعجَّبُ

لساني بالتقصير فيها مُقصِرٌ … وَإنْ كانَ في أَطنَابِهَا بَاتَ يُطنِبُ (٣)

وَفِيهَا يَقُولُ أَيضًا:

إِذَا مَا خيمة السلطان لاحت … فقُلْ في حُسنِهَا نَظَمًا وَنَتْرَا

وَإِنْ رُفعتْ وَرُمتَ النصبَ منهَا … فَصِف أَطنَاتِهَا وَهَلَمَّ جَرَّا (٤)

وفي هذهِ المُدّة التي أقامها السلطان هناك، وقع بينه وبينَ مملوكه يَلبُغَا العُمري الخاصكي، فقصد الوثوب عَلى السلطان هُناك؛ فَلمَا بَلغَ السلطان ذلك، رَكِبَ ليلة الأربعاء تاسع جمادى الأول من السنة المذكورة، ومعه بعض جماعة من الأمراء، وقصد يكبس عَلى يَلْبُغَا وَهُوَ في الخيَامِ.


(١) بدائع الزهور ١/ ١/ ٥٦٨: الخبر في أحداث سنة ٧٦٠ هـ.
(٢) هي من القرى القديمة، حرف إلى كوم بره وهو اسمها الحالي، تتبع إمبابة. (القاموس الجغرافي ٣/ ٢/ ٦٣).
(٣) بحر الطويل؛ البيتان في: النجوم الزاهرة ١٠/ ٣١٥. المنهل الصافي ٥/ ١٣٠.
(٤) بحر الوافر.

<<  <   >  >>