للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَلَمَّا علمَ يَلبُغَا بذلك أَخذَ حَدْرَهُ، وَألبس مماليكه، وخرج عن الخيَامِ وَأَخلَاهَا، وأكمن قريبًا منها، فلما كبس عليه السلطان في نصف الليل، فلم يجد في الخيام أحدًا، ثم إن يَلْبُغَا حَطَمَ عَلى السُلطان، وأتقع معه فأنكسر السلطان وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الأمراء، وهربوا تحت الليل.

وعدى السلطان، وطلع إلى القلعة، فتبعهُ يَلبُغَا بمن معه من الأمراء والمماليك، فلما طلع السلطان إلى القلعة، فلم يجد مَعهُ منَ المماليك إلا قليل، وَلمْ يكن معه من الأمراء إلا ثمان تمر العُمري (١) وأيدمر الدوادار، فلم يجد للمماليك خيولا يركبونها، لأن الخيول كانت في الربيع.

فَلمَا أسفر النهار طَلَعَ يَلبُغَا إلى الرملة، وحاصر القلعة، فلما رأى الناصر حسن عين الغُلب، رَكبَ ونزل من القلعة، هُوَ وَالأمير أيدمر الدوادار، وهُمَا في زي العرب، وقصد الناصر حسن بأن يتوجه نحو الشام، ويستنجد بالأمير بيدمر الخوارزمي نايب الشام، فأن الناصر حسن نقلهُ مِنْ نيابة حلب إلى نيابة الشام لما أن هرب منجك اليوسفي، كما تقدم.

فلما نزل الناصر حسن من القلعة، فبينما هُوَ في أثناء الطريق عند المطرية، فلقيهما بعض المماليك، فقبض عليهما، وأحضرهما إلى عند يَلْبُغَا العُمري، فأما أيدمر الدوادار، فأرسله إلى السجن بثغر الإسكندرية.

وأما الملك الناصر حسن فكان آخر العهد به، قيل: إِنهُ خُنقَ وَرُمي في البحر، ولم يُعرف له قبر، ولم يُدفن في القبة التي في مدرسته.

وكانت قتلته في جمادى الأول (٢) سنة اثنتين وستين وسبعمائة.

وَكَانَ السلطان حسن أشقر اللون في وجهه بعض نمش، وكان عربي الوجه، أشقر اللحية، نحيف الجسد، مُعتدل القَامَة، وَكانَ ملكًا شُجاعًا مِقدَامًا مُهَابًا، نافذ الكلمة، مُحبًا لجمع الأموال، وَمَاتَ وَلَهُ مِنَ العُمر نحو سبعة وعشرين سنة، وكان يميل إلى اللهو والطرب وشرب الراح، مولعًا بحبّ النساء الحسان، لا يمل من شرب الراح، ولا من الطرب في الليل والنهار، حتى قَالَ فِيهِ القائل:


(١) في بدائع الزهور ١/ ١/ ٥٧٦: "تمان تمر العمري".
(٢) في بدائع الزهور ١/ ١/ ٥٧٧: "١٢ جمادى الآخرة".

<<  <   >  >>