للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

حدًّا فيما يقصر إليه الصلاة، إلا أني لا أعرف أحدًا من الفقهاء يقول به» (١).

وكلام ابن عبد البر واضح أنه يتمشى مع قواعد أهل التحديث، وأن التفرد بأمر يحتاج إليه عامة الناس لا يقبل إلا من إمام كالزهري، ومالك، ونحوهما، أو من راو معروف بالرواية عن شيخه، مقدم فيه، فتفرده بهذا الأصل، ومخالفته لما صح عن ابن عمر وابن عباس يدل على وهمه.

الجواب الثاني:

حمل بعضهم الحديث على أن المراد به المسافة التي يبتدئ منها القصر، لا غاية السفر، ويؤيد ذلك رواية الإمام أحمد، فقد ذكر يحيى بن يزيد الهنائي أنه يخرج من البصرة إلى الكوفة، والمسافة بينهما كما بين المدينة ومكة، فسال أنسًا متى يقصر الصلاة، فالظاهر أن يحيى لا يريد أن يسأل عن قصر الصلاة فيما بين البصرة والكوفة، وإنما سأل أنسًا متى يشرع في القصر، فأخبره أن النبي إذا خرج ثلاثة أميال قصر الصلاة، يريد بذلك أن النبي يشرع في أحكام السفر إذا خرج مثل هذه المسافة، كما شرع النبي في القصر في ذي الحليفة، وهي على بعد أميال من المدينة في توجهه إلى مكة، وهي نفس المسافة بين البصرة والكوفة.

واستبعد هذا الحمل الحافظ في الفتح، فقال: «ولا يخفى بعد هذا المحمل، مع أن البيهقي ذكر في روايته من هذا الوجه، أن يحيى بن يزيد، رواه عن أنس، قال: سألت أنسًا عن قصر الصلاة، وكنت أخرج إلى الكوفة -يعني من البصرة- فأصلي ركعتين حتى أرجع، فقال أنس: .. فذكر الحديث، فظهر أنه سأل عن جواز القصر في السفر، لا عن الموضع الذي يبتدأ القصر منه، ثم إن الصحيح في ذلك أنه لا يتقيد بمسافة، بل مجاوزة البلد الذي يخرج منها».

الجواب الثالث:

قال أبو العباس القرطبي: «لا حجة له فيه؛ لأنه مشكوك فيه، فلا يوثق لا بالثلاثة أميال، ولا بالثلاثة فراسخ؛ إذ كل واحد منهما مشكوك فيه» (٢).


(١) معالم السنن (١/ ٢٦١).
(٢) المفهم (٢/ ٣٣٢)، وانظر: تفسير القرطبي (٥/ ٣٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>