للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

[النساء: ١٠١]. واضح أن الآية نزلت بعد زيادة صلاة الحضر؛ فلو كان فرض المسافر ركعتين لما صح وصفها بأنها مقصورة، كما أن صلاة الصبح لما كان أصل الفرض فيها ركعتين لا توصف بأنها مقصورة.

فكان القصر متوجهًا للرباعية، فإذا صلى المسافر أربعًا لم تكن الركعتان الأخيرتان مزيدتين، بل أبقى على أصل الصلاة غير مقصورة.

وحقيقة القصر إسقاط من الأصل، فكان اختيار المسافر ركعتين قصرًا حقيقة؛ لأنه حذف من صلاة الحضر شطرها، فلا يكون الإتمام زيادة في صلاة المسافر بل تركًا للقصر، وتمسكًا بالأصل المفهوم من قوله: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ﴾.

وقد اعتبرت السنة أن إسقاط الركعتين صدقة تصدق الله بها علينا، فإذا لم يأخذ العبد بالصدقة، وأخذ بالعزيمة، فقد تمسك بالأصل، ولا يقال: إنه زاد ركعتين على صلاته حتى يمكن احتسابها نافلة.

ولأن التطوع عندهم يجوز تركه إلى غير بدل، وإذا اقتدى المسافر بمقيم صارت الأربع كلها واجبة، والواجب ينافي التطوع.

قال الخطابي في معالم السنن: «وأما قول أصحاب الرأي أن الركعتين الأخريين تطوع فإنهم يوجبونها على المأموم، والتطوع لا يجبر عليه أحد، فدل على أن ذلك من صلب صلاته» (١).

وقولكم: إن المسافر قبل الدخول في صلاة المقيم يتخير، إن شاء صلى ركعتين وحده، وإن شاء صلى أربعًا، وهذا حد النفل، وبعد الدخول في صلاة المقيم لا خيار له.

وهذا دفع ضعيف؛ لأمرين:

الأمر الأول: أن التخير قبل الدخول في صلاة المقيم بين فرضين لا يجعل أحدهما نفلًا، فالرجل قد يتخير بين غسل القدم وبين مسحه، وكلاهما فرض.

الأمر الثاني: القول بأنه إذا دخل في صلاة المقيم فلا خيار له مع القول بأن الركعتين نفل غير مستقيم؛ لأنه لم يشرع في النفل بمجرد الدخول في الفرض حتى


(١) معالم السنن (١/ ٢٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>