للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

شيء عنها مسندًا يمكن الاعتماد عليه.

ولا فسر عروة وجه التأويل ولو من اجتهاده، فأرسله مجملًا بلا تفسير، فما أغنى عنا شيئًا.

ولعل تأويلها ما حكاه الشافعي في اختلاف الحديث، فقال: «لا أدري أتأولت أن لها أن تتم وتقصر، فاختارت القصر» (١).

ولا يوجد تأويل يسوِّغ الزيادة على ما فرض الله إلا أن يقع سهوًا، كما أن الزيادة على صلاة الصبح لا يسوغ تأويله بحال، فكذلك هنا، وإذا جازت الزيادة على الركعتين بأي تأويل شئت فهو يدل على أن قصر الصلاة في السفر ليس فرضًا لا يجوز مخالفته، بل هو من الفرض المخير فيه، والتخيير لا ينافي الفرض، فالفرض تارة يكون معينًا، وتارة يكون مخيرًا، كما أنه تارة يكون موسعًا وتارة يكون مضيقًا، وجواز تأخير الموسع لا ينافي الفرضية، فكذلك التخيير بين القصر والإتمام فإذا اختار أحدهما كان فعله فرضًا.

وعلى هذا التقدير يكون قول عائشة: (فرضت الصلاة ركعتين في السفر)، يعنى إن اختار المسافر أن يكون فرضه ركعتين فله ذلك، وإن اختار أن يكون فرضه أربعًا، فله ذلك. كالحاج إن شاء تعجل في يومين فكان ذلك فرضه، وإن شاء تأخر في ثلاثة أيام، ولا يقال: إن الرمي في اليوم الثالث من قبيل التطوع؛ لأنه قدر زائد على الفرض، وكون الاختيار جعل للحاج لا ينافي كونه فرضًا، فكذلك المسافر، ولو كان فرض المسافر ركعتين لم يكن له أن يجعلهما أربعًا بوجه من الوجوه، كما ليس للمقيم أن يجعل ظهره مثنى وصلاة الفجر أربعًا، وقد اتفق فقهاء الأمصار على أن المسافر إذا أدرك ركعة من صلاة المقيم لزمه الإتمام، فهذا يدل أنه ليس فرضه ركعتين إلا على التخيير (٢).

قال الشافعي في اختلاف الحديث في معنى حديث عائشة: (فرضت الصلاة ركعتين ركعتين) قال: معناه: أن صلاة المسافر أقرت على ركعتين إن شاء، والدليل


(١) اختلاف الحديث (ص: ٤٩).
(٢) انظر: شرح البخاري لابن بطال (٣/ ٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>