بأن الإقامة للصلاة الثانية ومتابعة الناس للإمام للقيام لها دليل على أن النية قد أحضرت عند إحرام الثانية، وهذا يتكرر فقد يصلي الرجل خلف الإمام، ولا يعلم عن نيته بالجمع إلا بعد أن ينصرف من الأولى ويأمر المؤذن بإقامة الثانية، فمتابعة الإمام على الصلاة الثانية دليل على أنه نوى الجمع قبل الشروع.
ورد هذا:
بأن الكلام فيما لو غفل رجل عن نية الجمع، وتابع إمامه على فعل الصلاة ساهيًا عن نية الجمع، مكتفيًا بنية الصلاة الثانية، فما هو الدليل على بطلان صلاته؟
فإن قلتم: إن نية الصلاة الثانية تكفي عن نية الجمع أبطلتم القول بالشرطية، وإن قلتم: إنها باطلة، فما هو الدليل على البطلان، والأصل صحة الصلاة؟
فكانت نية الصلاة الثانية كافية في تحقق الجمع، وهو ضم إحدى الصلاتين إلى الأخرى، ولو لم ينو الجمع.
الدليل الثالث:
قياس نية الجمع على نية القصر، فالنبي ﷺ لما خرج في حجة الوداع صلى بهم الظهر بالمدينة أربعًا، وصلى بهم العصر بذي الحليفة ركعتين، وخلفه أمم لا يحصي عددهم إلا الله: كلهم خرجوا يحجون معه، وكثير منهم لا يعرف صلاة السفر: إما لحدوث عهده بالإسلام، وإما لكونه لم يسافر بعد، لا سيما النساء، فهؤلاء صلوا معه، ولم يأمرهم بنية القصر.
وإذا صح القصر بلا نية القصر صح الجمع بلا نية من باب أولى؛ لأن نية القصر تغير أصل الصلاة، فلو تأخرت لتأدى بعض الصلاة على نية التمام، وهذا يمنع من القصر عند من يشترط النية للقصر، بخلاف نية الجمع فإنها نية متعلقة بالصلاتين معًا من جهة الوقت، وهو أمر خارج عن كنه الصلاة (١).