استدلوا بما استدل به الشافعية على اشتراط المشاهدة، ولم يشترطوا الاستطراق كالشافعية، فتكفي الرؤية من طاق صغيرة وشباك.
والعلة في اشتراط الرؤية عند الحنابلة إمكان الاقتداء، فلا يشترطون القرب، ولا يكفي سماع التكبير.
وإذا كانت العلة إمكان الاقتداء كما يعللون ذلك في شروحهم، فلماذا لا يعلق الحكم على العلة، ويدور الحكم معها وجودًا وعدمًا، وليس على الرؤية التي قد لا يتحقق فيها الاقتداء بكل أحوال الإمام، كما في حال السجود، فالسماع يتحقق به إمكان الاقتداء في كل أحوال الإمام.
والعلة في اشتراط الرؤية عند الشافعية؛ لتحقق الاجتماع بالقرب من مكان الإمام إلا أنهم اغتفروا الفاصل إذا لم يزد على ثلاثمائة ذراع تقريبًا.
الدليل الثاني:
(ح-٣٢٩٠) روى مسلم في صحيحه من طريق أبي الأشهب، عن أبي نضرة العبدي،
عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله ﷺ رأى في أصحابه تأخرًا، فقال لهم: تقدموا، فائتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم … الحديث (١).
وجه الاستدلال:
فقوله:(تقدموا فائتموا بي) فالإمام إنما شرع تقدمه على المأمومين ليتمكنوا من رؤيته؛ وليقتدوا به، فاقتداء الصف الأول بالإمام بالرؤية وبالسماع.
وقوله:(وليأتم بكم من بعدكم) فأمر الصفوف المتأخرة بالاقتداء بمن قبلهم وليس برؤية الإمام، وهو من الاقتداء بالأفعال، لا بسماع التكبير؛ لأن جميع الصف المتقدم محل القدوة لن يجهر بالتكبير، فلا يكون الاقتداء به إلا بالرؤية، فدل على اعتبار الرؤية؛ لصحة الاقتداء لمن لم ير الإمام، ويدخل فيهم من صلى خارج