للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

دليل الشافعية على اشتراط القرب وتقديره بما دون ثلاثمائة ذراع:

الشافعي لا يرى سماع الإمام كافيًا لصحة الاقتداء، بل اشترط مع ذلك شرطين:

الشرط الأول: اجتماع المأموم والإمام في مكان واحد.

والاجتماع قد يكون حسيًّا بأن يكونا في المسجد.

وقد يكون حكميًا، بأن يكون مكان المأموم قريبًا من مكان الإمام، بحيث يعدان مجتمعين حكمًا في بقعة؛ لأن ما قرب من الشيء أخذ حكمه.

وجه هذا الشرط: أن من مقاصد الاقتداء: إقامة الصلاة جماعة، ولا يعد من الجماعة أن يقف الإنسان في منزله المملوك، وهو يسمع صوت الإمام أو المبلغ عنه في المسجد ويصلي بصلاة الإمام.

ومستنده في ذلك: أن الشعائر المتعلقة بالصلاة مبنية على الاتباع؛ لأن مبنى العبادات عليها، فكان المسلمون يصلون في المسجد جماعة، وما كان الإمام في مكان، والمأموم في مكان آخر، فالاجتماع في المسجد لما كان جامعًا للإمام والمأموم، لم يضر إفراط البعد؛ لأن المساجد إنما بنيت لهذا الشأن، فيحمل الأمر على أن المجتمعين فيه للصلاة متواصلان وإن تباعدت أبدانهما.

فأما الصحراء الموات، فمحطوط عن المسجد، من جهة أنه ليس مكانًا مهيَّأً لجمع الجماعات، وهي مشابهة من وجهٍ للمسجد؛ فإن الناس مشتركون فيه اشتراكهم في المسجد؛ لهذا لا يشترط في الموقف اتصال الصفوف، ثم ضبَطَ القربَ المعتبر بثلاثمائة ذراع. والأصح أن هذا تقريب، وليس بتحديد، فلا يضر زيادة ثلاثة أذرع فما دون.

وقد اجتهد أصحابه في تخريج هذا التقدير، مع أن المقادير سبيلها التوقيف (١).

وقد ذكر النووي أن التقدير مأخوذ من العرف على الصحيح، وهو قول جمهور الشافعية، لا من صلاة الخوف (٢).


(١) انظر: نهاية المطلب (٢/ ٤٠٣).
(٢) انظر: المجموع (٤/ ٣٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>