للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

حكم البيت، والبقعة الواحدة أعم من أن تكون مسجدًا، أو فضاء، أو دورًا متقاربة أو سفنًا في مياه واحدة، فالجماعة الواحدة لا يضر إذا فصل بينها حائط، أو طريق، أو نهر، أو لم تتصل الصفوف، إذا كانت المسافة بين الإمام والمأموم لا تمنع من إمكانية الاقتداء بسماع أو برؤية، وكانوا في بقعة واحدة؛ لأن هذا هو معنى الاجتماع لغة وشرعًا وعرفًا، فالصلاة جماعة تلقى المسلمون صفتها جيلًا عن جيل من عصر الوحي إلى يومنا هذا، فإذا دخل وقتها نادى المنادي لهم: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح. قال الفراء: معنى حيَّ في كلام العرب: هَلُمَّ وأَقبِلْ. فالمعنى: أقبلوا إلى الصلاة والفلاح، فيتداعى لها جماعة من المسلمين ممن يسمعون النداء، فيجتمعون على أدائها في بقعة واحدة خلف إمامهم، والأصل في العبادات الاتباع، وإحداث صفة لا تعرف عن السلف لا يجوز.

وقد توهم بعض المعاصرين من أتباع الإمام مالك بأنه يمكن تخريج الاقتداء عن طريق المذياع والتلفاز على مذهب مالك؛ باعتبار أن مذهبه لا يشترط في الاقتداء إلا السماع أو الرؤية، ولا يضر عدم اتصال الصفوف، ولا وجود فاصل من طريق أو نهر.

وفي الحقيقة هذا القول لا يمكن تخريجه على مذهب مالك، ولم يَدُرْ في خَلَدِ الإمام مالك ولا أصحابه السابقين الاقتداء عن طريق المذياع والتلفاز عندما قالوا ما قالوا؛ لأن هذا القول يترتب عليه مفاسد ومخالفات، بل يؤدي إلى تغيير الشريعة، وإخلاء المساجد من عامريها، وإحداث هيئات لم يسبق إليها، فاشتراكها مع قول مالك في جزئية كالاقتداء مع وجود فاصل من طريق، أو نهر، أو حائل لا يكفي لتخريج هذه المسألة على قول الإمام مالك، فهي تناقضه في كثير من الأحكام، فيجب أن ينتبه الإخوة القائلون بهذا القول إلى فقه المآلات، والحرص على سد الذرائع، فهذا القول إذا انتشر ستجد غدًا من يطالب بالتوقف عن إعمار المساجد، ويطالب بدلًا من ذلك بصرف نفقاتها على المستشفيات والتعليم وغيرها، وستختفي شعائر إسلامية ما زالت تتميز بها دار الإسلام عن دار الكفر، وهي إقامة شعائر الأذان والصلاة جماعة في المساجد، فنهدم حصوننا بأيدينا، وقد قال النبي : من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد.

<<  <  ج: ص:  >  >>