الشرط الأول: أن يكون قريبًا منه، وقدر الشافعي القرب بحيث لا يزيد ما بينهما على ثلاثمائة ذراع، وهل ذلك تحديد أو تقريب؟ الأصح أن ذلك تقريب، فزيادة ثلاثة أذرع لا يضر، وتقدر المسافة من جدار المسجد؛ لأن المسجد كله شيء واحد.
الشرط الثاني: ألا يحول بينهما حائل يمنع الاستطراق والمشاهدة، فإن حال بينهما حائل لم يصح الاقتداء. وإن منع الاستطراق دون المشاهدة -بأن يكون بينهما شباك- لم يمنع صحة الاقتداء في أحد الوجهين (١).
ولم يشترط الشافعية اتصال الصفوف كالحنفية.
هذا تفصيل الأقوال في المسألة، وبناء عليه:
فأشد المذاهب الحنفية، والذين يشترطون لاتحاد المكان اتصال الصفوف لإعطاء ما هو خارج المسجد حكم المسجد.
وأوسعها مذهبًا المالكية، والذين قالوا: إن المعتبر إمكان الاقتداء، ولا يشترط اتحاد المكان، فسواء أكان من يصلي خارج المسجد في الفضاء، أم كان في بيت من البيوت المجاورة للمسجد فإذا كان يسمع صوت الإمام، أو من يبلغ عنه، أو يرى أفعال الإمام، أو أفعال من خلفه صح الاقتداء، ولو حال بينهما طريق أو نهر.
والشافعية والحنابلة بين القولين:
فالشافعية أعطوا ما قرب من المسجد حكم المسجد، فلم يكتف الشافعي في جواز الاقتداء بالوقوف على حالات الإمام وانتقالاته عن طريق السماع، بل لا بد أن يكون قريبًا منه، وحد القرب بأن تكون المسافة بينهما بحدود ثلاثمائة ذراع فما دون، وبشرط ألا يحول بينهما حائل يمنع الاستطراق والمشاهدة، فاشترطوا القرب والرؤية، ولم يشترطوا اتصال الصفوف.
واشترط الحنابلة في المعتمد من المذهب: الرؤية، رؤية الإمام أو من خلفه، ولم يشترطوا القرب، ولا اتصال الصفوف، ولم يجعلوا العلم بأحوال الإمام عن طريق السماع كافيًا في صحة الاقتداء، بل لا بد من الرؤية.
(١) منهاج الطالبين (ص: ٤١)، التنبيه (ص: ٤٠)، حلية العلماء (٢/ ١٨٣)، أسنى المطالب (١/ ٢٢٥)، مغني المحتاج (١/ ٤٩٥)، الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (١/ ١٦٨).