أما احتجاجه بفعل أنس على الجواز مطلقًا، فقال حرب الكرماني في مسائله (ص: ٥١٩): «وسئل أحمد -مرة أخرى- عن المرأة تصلي فوق بيت، وبينها وبين الإمام طريق؟ قال: أرجو ألا يكون به بأس، وذكر أن أنس بن مالك كان يفعل ذلك». فهنا احتج أحمد على الجواز مطلقًا بفعل أنس ﵁. وأحيانًا يحتج بفعل أنس مع الحاجة كما في نقل صالح المتقدم، وقال حرب في مسائله، ت: السريع (ص: ٥١٨): قلت لأحمد: يا أبا عبد الله إن مسجد البصرة زحامهم كبير، وخارج المسجد دور يصلي فيها الناس بصلاة الإمام، وبينها وبين المسجد طريق تمر فيه الناس، أيجوز هذا؟ قال: نعم، واحتج بحديث أنس بن مالك أنه صلى على غرفة مشرفة على المسجد بصلاة الإمام. وإن كان هذا ليس صريحًا بأن الزحام شرط؛ لكونه وقع في السؤال، وليس وصفًا لفعل أنس. والذي يظهر أن السبب في ذلك أن أنسًا ﵁ تارة يفعل ذلك بالبصرة، وتارة يفعل ذلك في الحجاز، ففي البصرة كان هناك زحام، وأما فعله في الحجاز في دار نافع بن عبد الحارث، فلم يذكر أن هناك حاجة دعت أنس إلى الصلاة في الدار خلف الإمام، وهذا ما جعل ابن رجب يقول: «والمذهب المنشور عنه: جوازه مطلقا». والله أعلم. وسوف يأتي تخريج أثر أنس ﵁ في الأدلة. وقال ابن القيم بدائع الفوائد، ط: عطاءات العلم (٣/ ٩٦٨): «نقل حَرب، وحَنبل، وأبو الحارث الجوازَ مطلقًا: أن يصلِّيَ المأمومُ، وهو يسمعُ قراءةَ الإمام في دار، أو فوق سطح، أو في الرَّحَبة، أو رجل منزلُه مع المسجد يُصَلي على سطحه بصلاة الإمام، أو على سطح المسجد بصلاة الإمام أسفلَ، وذكر الآثار بذلك عن أبى هريرة ﵁، وابن عمر، وابن عباس». (١) فتح الباري (٢/ ٤٤٤)، قال ابن رجب تعليقًا على هذه الرواية: ففرق أحمد بين الفريضة والنافلة في إيصال الصفوف. ونقل حرب، عن أحمد خلاف ذلك، في امرأة تصلي فوق بيت، وبينها وبين الإمام طريق، فقال: أرجو ألا يكون به بأس. وذكر أن أنس بن مالك كان يفعل ذلك. اه