القول بأن المصافة واجبة، فالواجب للعبادة، يختلف عن الواجب فيها، وسوف يأتي بحث هذه المسألة في مبحث مستقل إن شاء الله تعالى.
وينبغي التفريق بين من صلى فذًّا ابتداء، وبين من تحول فذًّا في أثناء الصلاة بغير اختياره، فالأول مفرط، والثاني معذور، والاستدامة أقوى من الابتداء، كالطيب على بدن المحرم، يجوز استدامته، ولا يجوز ابتداؤه، فيصح وقوفه قياسًا على وقوف المرأة وحدها خلف الصف ضرورة.
فالإمام الأمي إذا أم قارئًا وأميًا فإذا كبروا للصلاة انعقدت صلاتهم لأنهم في حالة التكبير متساوون، هذا يحسن التكبير، كما أن هذا يحسن التكبير، فإذا جاء وقت القراءة سقطت القراءة عن الإمام لعجزه، وبطلت صلاة القارئ على القول بتحمل الإمام القراءة عنه، فتحول المأموم الأمي إلى كونه فذًّا خلف إمامه الأمي بعد انعقاد صلاته، ومثل هذا لا يؤثر على صلاته؛ إلا لو كان يعلم بالحال قبل الصلاة، ولأن الممنوع الابتداء منفردًا، بخلاف الاستدامة، فالاستدامة أقوى من الابتداء، خاصة أن الأمي المأموم تحول فذًّا بغير اختياره، وهو لا يدري أن المأموم الذي بجانبه قارئ، والوقوف على مثل هذا غير ممكن، فيعفى عنه.
وقد روى مهنا عن أحمد ﵀: في رجل صلى يوم الجمعة مع الإمام ركعة وسجدتين في الصف، ثم زحموه، فصلى الركعة الأخرى خلف الصف وحده، قال: يعيد الركعة التي صلاها وحده.
وقال في رواية الحسن بن محمد: إذا ركع وسجد ثم دخل في الصف يعيد الركعة التي صلاها، ولا يعيد الصلاة كلها (١).
قالوا: وهذا يدل على أن صلاته فذًا لا تبطل الصلاة من أصلها، وإنما يمنع الاعتداد بها، ويبني على تحريمته.
قال القاضي أبو يعلى: «ما نقله مهنا محمول على أحد وجهين:
أحدهما: ما أومأ إليه أبو بكر: وأن الصلاة في هذه الحال انعقدت في الصف،
(١) بدائع الفوائد، ط عطاءات العلم (٣/ ٩٧١)، وانظر: الجامع لعلوم الإمام أحمد (٦/ ٢٨٨).