للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الدليل الثاني:

قال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [البقرة: ٤٣].

وجه الاستدلال:

قال الكاساني: أمر الله تعالى بالركوع مع الراكعين، وذلك يكون في حال المشاركة في الركوع، فكان أمرًا بإقامة الصلاة بالجماعة، ومطلق الأمر لوجوب العمل (١).

ولأن الركوع لا يتقرب به وحده إلا بالصلاة، فكان الأمر بالركوع أمرًا بالصلاة، وكان قوله: ﴿مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ أمرًا بفعلها مع جماعة المصلين.

• ونوقش هذا الاستدلال بأكثر من جواب:

الجواب الأول:

الآية فَصَلَتْ بين الأمر بإقامة الصلاة وبين الأمر بالركوع بالأمر بإيتاء الزكاة، فلو أراد بالركوع الصلاة يكون ذلك تكرارًا مع وجود فاصل بين الأمرين، فلا تُعْلَم حكمة من هذا الفصل إلا أن يحمل الركوع على الخضوع والاستسلام لأحكام الله، والذي هو شرط لقبول العبادة، ويكفي أن شيخ المفسرين أبا جعفر الطبري لم يذكر في تفسير الآية إلا الخضوع.

قال أبو جعفر: «وأما تأويل الركوع، فهو الخضوع لله بالطاعة. يقال منه: ركع فلان لكذا وكذا، إذا خضع له» (٢).

وقال الأضبط السعدي:

لا تهين الضعيف علك أن تركع يومًا والدهر قد رفعه

ومثله آية المائدة: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ [المائدة: ٥٥]، فالآية لا تطلب منَّا أن نؤدي زكاة أموالنا، ونحن راكعون في الصلاة، وإنما تطلب منا أن نقيم الصلاة ونؤدي زكاة أموالنا مع الخضوع والتسليم الكامل لله وحده، وكان ترتيب الآية موافقًا لترتيب الآية موضع الاحتجاج، وأفضل ما يُفَسَّرُ به القرآنُ هو القرآن نفسه.


(١) بدائع الصنائع (١/ ١٥٥).
(٢) تفسير الطبري، ت شاكر (١/ ٥٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>