للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والترتيب في القرآن له حكم بليغة، كما قال بعض الفقهاء في آية الوضوء حين ذكر ممسوحًا بين مغسولات، فأخذوا منه وجوب الترتيب، وإلا لذكر المغسولات، ثم الممسوحات.

ومثل الركوع: السجود، فقد يذكر في القرآن بمعنى الخضوع، قال تعالى: ﴿وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآَنُ لَا يَسْجُدُونَ (٢١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ﴾ [الانشقاق: ٢١ - ٢٢].

فأضاف الله السجود إلى جميع القرآن، وسجود التلاوة يختص بمواضع منه.

فمعنى الآية: إذا تلي عليهم كتاب الله لا يخضعون لأحكامه، ولا يسلمون له، ولا يقبلون موجبه، بل يقابلون كتاب الله بالتكذيب المنافي للإيمان، قاله ابن جرير، ونسبه النحاس في إعراب القرآن لأهل التفسير (١).

وقال أبو الليث السمرقندي في تفسيره: «﴿فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ يعني: كفار مكة لَا يصدقون بالقرآن ﴿وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآَنُ لَا يَسْجُدُونَ﴾ يعني: لا يخضعون لله تعالى، ولا يوحدونه. ويقال: ولا يستسلمون لربهم، ولا يسلمون ولا يطيعون. ويقال: لا يصلون لله تعالى» (٢).

وقال مثله الثعلبي في تفسيره (٣).

فالمقصود أن الركوع والسجود يأتيان بمعنى الخضوع، وهو المراد من الآية والله أعلم.

الجواب الثاني:

أن الآية نزلت في اليهود، وشريعتهم في الصلاة تختلف عن شريعتنا، قال تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨]. وكون شرع من قبلنا شرعًا لنا -على القول بهذا الدليل المختلف فيه بين الأصوليين- فهو مشروط ألا يأتي في شرعنا ما يخالفه، والمخالف ينازع في تحقق هذا الشرط، حيث يدعي أن صلاة الجماعة في شريعتنا ليست واجبة، فلا تكون الآية حجة على المخالف.


(١) انظر: تفسير الطبري (٢٤/ ٣٢٦)، إعراب القرآن للنحاس (٥/ ١١٨).
(٢) تفسير السمرقندي (٣/ ٥٦٢).
(٣) تفسير الثعلبي (٢٩/ ١٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>