أن التكرار إما أن يكون مستفادًا من الأمر أو من الشرط أو منهما.
فالصحيح أن مطلق الأمر وحده لا يقتضي التكرار، ولا ينفيه، فهو يفيد طلب الماهية من غير إشعار بواحدة ولا بكثرة، إلا أنه لا يمكن إدخال الماهية في الوجود بأقل من مرة، فصارت المرة من ضرورة الامتثال بالمأمور به، لا أن الأمر يدل عليها بذاته، بل بطريق الالتزام، ولا يصار إلى التكرار إلا بقرينة، ولذلك لما أمر النبي ﷺ بالحج قال رجل: أفي كل عام؟ قال: لو قلت: نعم لوجبت … الحديث.
فلو كان الأمر موجبًا للتكرار لاستفيد ذلك من صيغة الأمر، ولو كانت الصيغة تنفيه لما استفهم عنه، وهو عربي قح، يقال: عربي قح إذا كان خالصًا لا هجنة فيه.
ولا يستفاد الوجوب من الشرط وحده، كما قال تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ [المائدة: ٦] لا يقتضي تكرار الفعل كل ما قام إلى الصلاة ما لم يكن محدثًا.
ولا للثالث، فإنا نقطع بأن من قال لولده: إذا دخلت السوق فاشتر كذا، فهو ممتثل إذا فعل ذلك مرة واحدة، ولذلك علق الحج بشرط الاستطاعة ولم يقتض التكرار، نعم إذا كان الشرط علة فالعلة مقتضية لمعلولها، والسهو علة في السجود، فإذا تكرر السهو فإن كان السهو الثاني وقع بعد أن سجد للسهو الأول، كما في المسبوق إذا سها مع إمامه فسجد إمامه قبل السلام سجد معه، فإذا سها فيما يقضيه فإن السهو يقتضي التكرار؛ حتى لا يخلو السهو الثاني من جابر وترغيم للشيطان، أما إذا كان لم يسجد للسهو الأول وتكرر السهو فتعدد الموجِب لا يقتضي تعدد السجود، فالزنى علة الجلد، والسرقة علة القطع، ولو تكرر الزنا قبل الحد، أو تكررت السرقة لم يتكرر الحد، بخلاف ما لو تكرر بعد الحد، فكذلك السهو، والله أعلم.
الدليل الثاني:
(ح-٢٥٤١) ما رواه الإمام أحمد، قال: حدثنا الحكم بن نافع، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن عبيد الله بن عبيد الكلاعي، عن زهير، عن عبد الرحمن ابن جبير، عن أبيه جبير بن نفير،