للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الوجه الثاني:

ما وقع من النبي ومن ذي اليدين لا دلالة فيه على جواز الكلام عمدًا في صلب الصلاة؛ لأنه وقع من النبي ، وهو يظن أن صلاته قد تمت، ووقع من ذي اليدين، وهو يظن أن الصلاة ربما تكون قد قصرت، فلم يقع منهما الكلام عمدًا، وهما يجزمان أنهما في صلب الصلاة، فهو في حكم من تكلم في الصلاة سهوًا، والأصح أنها لا تبطل بذلك (١).

• ونوقش هذا:

لا يصح هذا التوجيه وقد تكلم الناس بعد قول النبي : لم أنس ولم تقصر، فقد تكلموا بعد علمهم بعدم النسخ، وبنوا على ما صلوا.

وأما الجواب عن كلام بعض المصلين بعد أن علموا أن الصلاة لم تقصر فقد تقدم الجواب عنه على سبيل الاختصار، وسوف أبسطها، إن شاء الله تعالى في هذا المقام، ومن هذه الأجوبة:

الجواب الأول:

ذهب بعض العلماء إلى أن الرواة الذين رووا الحديث لم يتفقوا على أن الجواب كان بالعبارة، فقد رواه حماد بن زيد عن أبي أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، وفيه أن جواب المصلين كان إيماء، أي: بالإشارة.

قال ابن عبد البر: وحماد بن زيد من أثبت أصحاب أيوب. اه

فيحتمل أن من رواه بالعبارة رواه مفسرًا لمعنى إشارتهم، والإشارة إذا أفهمت صار سائغًا في اللغة أن يطلق عليها كلامًا باعتبار المعنى، لا باعتبار اللفظ.

قال القاضي أبو يعلى: «وإنما أراد به الإيماء، وسمَّاه قولًا؛ لأن ذلك سائغ في اللغة، تقول العرب: قلتُ برأسي ويدي» (٢).

قال تعالى عن مريم: ﴿فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ [مريم: ٢٩].


(١) ذكر أحمد بمعناه كما في مسائل صالح (٢/ ٤٧٦): ذو اليدين تكلم، ولا يدري لعلها قد قصرت.
وانظر: كفاية النبيه في شرح التنبيه (٣/ ٤٠٥)، البيان للعمراني (٢/ ٣٠٥، ٣٠٦).
(٢) التعليق الكبير (١/ ٢١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>