للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وكما وقع من ذي اليدين، حين سأل: أنسيت يا رسول الله، أم قصرت الصلاة؟

فمن أراد أن يستثني من عموم تحريم الكلام ما وقع في قصة ذي اليدين فليستثن الكلام في حالة واحدة، وهو ما إذا وقع بعد سلام الإمام، وهو يظن إتمام صلاته، ولا يصح الاحتجاج بهذا الحديث على استثناء إباحة الكلام عمدًا في صلب الصلاة لمصلحتها، والإمام لم يسلم من صلاته.

فوقوع السلام من الإمام في الصلاة معتقدًا إتمامها هو ما جعل الانصراف عن القبلة، والقيام بأفعال كثيرة ليست من جنس الصلاة لا تفسدها، فكذلك الكلام، ولو أنه انصرف عن القبلة، أو تحرك حركة كثيرة متصلة في صلب الصلاة، وقبل أن يسلم منها متوهمًا إتمامها لبطلت صلاته، فكذلك لو تعمد الكلام في صلب الصلاة.

وبهذا قال سحنون من المالكية (١)، وهو رواية عن أحمد فقد فرق أحمد في رواية بين كلام الإمام إذا انصرف من صلاته يظن إتمامها، وبين كلام المأموم بعد ذلك حين استقرت الشريعة، وارتفع احتمال أن تكون الصلاة قد قصرت، فعذر الإمام إذا تكلم دون من يتكلم من المأمومين (٢).

• ويناقش هذا من وجهين:

الوجه الأول: بأن هذا التفريق غير صحيح؛ لأن النبي لما بنى على صلاته بعد ذلك كان السلام ملغى وكأنه لم يقع، فكان كل الكلام الذي وقع إنما حدث في صلب الصلاة، فإذا كان التسبيح لا يكفي في إفهام الإمام، فتكلم المأموم بكلام يسير لإصلاح الصلاة لم تبطل مطلقًا، سواء أسلم الإمام يظن إتمام صلاته أم لا، وسواء أسلَّم عن شك، أم سلَّم عن يقين بأنه أتم صلاته، والله أعلم.


(١) جاء في البيان والتحصيل (٢/ ٥٢): «أخذ سحنون بالحديث في موضعه، ولم يقس عليه سائر المواضع. وقوله: وكذلك لو سأل الإمام أتمت صلاته، قال: نعم، كذلك أيضا ظاهره قبل السلام، وهو بعيد؛ إذ لا ضرورة بالإمام إلى السؤال قبل السلام: هل أكمل صلاته أم لا؟
لأن الواجب عليه إذا شك أن يبني على اليقين، إلا أن يسبح به فيرجع؛ فإن سألهم قبل أن يسلم، أو سلم على شك، فقد أفسد الصلاة، وإن سلم على يقين، ثم شك، جاز له أن يسألهم، فينبغي أن يعدل بالكلام عن ظاهره، ويقال: معناه إذا شك في إتمام صلاته بعد أن سلم على يقين … ».
(٢) المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين (١/ ١٣٨)، التعليق الكبير لأبي يعلى (١/ ٢٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>