فالصور في الثوب غير مرفوعة كالستار، ولا فيها تزيين للطين، فيمتنع الإلحاق. والورع باب يسع الإنسان فيما يختاره لنفسه، وأما عند الكلام عن الحلال والحرام في شريعة الله، فعلى المجتهد أن يتلمس أقرب الأقوال إلى الحق، وليس لكونه أيسر على المكلف، ولا لكونه أشق عليه، ولا لكونه يتفق أو يختلف مع رغبة كثير من الناس، فقوة القول تستمد من قربه أو بعده من النصوص الشرعية، والحق واحد، لا يتعدد، والاجتهاد في تطلبه ما أمكن وبذل الوسع في الوصول إليه يقينًا أو ظنًا غالبًا، وإذا أخفق طالب العلم بعد بذل الوسع، فالعذر مبسوط، والأجر ممدود إن شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والله جعل هذه المسألة من مواضع الاجتهاد شرعًا وقدرًا؛ ليتعبد العلماء في بذل الجهد قدر الطاقة والوسع في معرفة حكم الله، وليرفع الله بعض المجتهدين على بعض فيفتح الله على بعضهم ما لا يفتح به على آخرين بمقتضى حكمته ورحمته، وهذا مقصود شرعي، ولذلك جعل الله الجميع دائرًا بين الأجرين والأجر الواحد، وليس أحدهما مأزورًا ضالًا مبتدعًا، والآخر مصيبًا كما يتعامل به من حصر صدره، وضاق عطنه في تقبل الخلاف وإدراك أسرار التشريع وحكمه، ونظر إلى نفسه وكأن رأيه وحيٌّ، وقول جماهير العلماء خطل، فدعك من إقناع هذه الفئة من الناس، فإن الجدل معهم لغو ينبغي الإعراض عنه، ولا تطمع أن تقنع مثل هؤلاء فإن ما هم فيه عِيٌّ، لا دواء له، ويكفيك غنيمة السلامة منهم، كما قال تعالى: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾. [الفرقان: ٦٣].
وهناك قول ثالث: توجه له بعض الفقهاء فحملوا قوله (إلا رقمًا في ثوب) على الثوب إذا كان على الأرض مما يداس ويوطأ وكذا المخدة يتكأ عليها دون المنصوبة، وأما الثوب المعلق، وكذا الملبوس فهو على تحريم لبسه وهو مذهب الجمهور، وعلى كراهة الصلاة فيه، وهو مذهب الشافعية وقول في مذهب المالكية، ورواية عن أحمد على ما مر معك في عرض الأقوال؛ لأنه لما نهي عن القرام الذي فيه تصاوير علم أن النهي عن لباسه أشد وآكد (١).