وأما قول الزهري (فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله ﷺ، فيما جهر فيه رسول الله ﷺ بالقراءة) فهذا الخبر لا ينقله الزهري عن مشاهدة، وإنما سبيله الإسناد، ولم يوقف على إسناده، وأما قبوله استنادًا إلى ديانة الزهري وعلمه فإن هذا لا يكفي، فالزهري لو قال: أخبرني الثقة لم يقبل حتى يُبَيِّن، فقد يكون ثقة عنده فقط، فكيف يقبل إذا أرسل كلامه، والصحابة مختلفون في المسألة، وقد أفتى أبو هريرة بعد وفاة النبي ﷺ لمن سأله: إنا نكون وراء الإمام، فقال له: اقرأ بها في نفسك، ولو كان هذا إجماعًا من الصحابة ما أفتى أبو هريرة بخلافه.
ويمكن الجواب عن فتوى أبي هريرة:
بأنه قد ثبت عن أبي هريرة أيضًا قوله: اقرأ خلف الإمام فيما يخافت به. وسبق تخريجه، فدل على أنه عنى بقوله:(اقرأ بها في نفسك) في الصلاة السرية جمعًا بين قوليه.
الوجه الثاني:
أن كلام الزهري ليس نصًّا في دلالته على ترك القراءة، فيحتمل أنه عنى بذلك ترك الجهر بالقراءة محل الاستنكار، فالنبي ﷺ لم يستنكر عليهم القراءة، وإنما أنكر عليهم منازعته القرآن.
قال ابن حبان: «(فانتهى الناس عن القراءة): أراد به رفع الصوت خلف رسول الله ﷺ اتباعًا منهم لزجره عن رفع الصوت، والإمام يجهر بالقراءة في قوله:(ما لي أنازع القرآن؟)(١).
• ورد هذا:
بأن كلام الزهري لو أراد به ترك الجهر دون القراءة لم يقيد الترك بقوله:(فيما جهر فيه رسول الله ﷺ بالقراءة)، فالمأموم مأمور بترك الجهر مطلقًا، فيما جهر فيه الإمام وفيما لم يجهر، فلما خص الترك حال جهر الإمام علم أن المراد ترك القراءة، لا ترك الجهر.
(ث-٣٣٩) ولأن عبد الرزاق قد روى عن معمر، عن الزهري، قال: إذا جهر