من نظر إلى أن كَفَّ النظر عن رؤية العورة واجب، وتقدم الإمام سنة، فلا يرتكب الحرام لتحصيل سنة، ولا سبيل إلى قطع هذا إلا بتحريم تقدم الإمام، أو أن يغمض المأموم بصره، وهو مكروه في الصلاة من حيث هو، رأى وجوب تأخر الإمام، على خلاف بينهم في بطلان الصلاة إن خالف وتقدم.
والخلاف يرجع إلى حكم تعمد ترك الواجب في الصلاة، فالمالكية في المشهور لا يبطلها خلافًا للحنابلة، وسبق بحث المسألة بأدلتها.
ومن نظر إلى أن تقدم الإمام سنة الصلاة، وستر العورة سقط بالعجز، والنظر يحرزه غض البصر، رأى أن تقدم الإمام من قبيل الجواز، وإن لم يكن الأفضل.
وإذا جاز في أحد القولين أن يصلوا أكثر من صف؛ لضيق المكان، فتقدم الإمام بمنزلة الصف الأول إن لم يكن آكد.
ومن رأى من المالكية أن الغض بمثابة الساتر، فإذا ترك الغض صار بمنزلة من صلى عريانًا مع القدرة على الستر أبطل الصلاة وأوجب الإعادة أبدًا، وهذا أضعفها، وهو مخالف للمعتمد في مذهب المالكية.
ومن فرق بين النظر إلى عورة الإمام وعورة نفسه، وبين النظر إلى عورة غيرهما بنى هذا التفريق إلى أن المحرم المؤثر في إبطال الصلاة ما كان متعلقًا بذات الصلاة بخلاف نظر غير المصلي، فإنه وإن كان معصية إلا أنه لا علاقة له بالصلاة.
ومن فرق بين النظر إلى عورة إمامه فأبطلها بالعمد مطلقًا وبين عورة نفسه فاشترط للبطلان مع العمد علمه أنه في صلاة بنى ذلك على أن النظر إلى عورة غيره محرم مطلقًا، فأبطل الصلاة إذا تعمد النظر سواء أكان عالمًا أنه في صلاة أم لا، بخلاف النظر إلى عورته فإن النظر إليها لا يحرم خارج الصلاة، لهذا اشترط للبطلان أن يكون عالمًا بأنه في صلاة؛ لأنه إذا كان ذاهلًا عن صلاته لم يتعمد