والحال الثانية: أن يكون الثوب ضيقًا، وهذا مأمور أن يتزر به؛ لحديث جابر ﵁ في البخاري، وفيه قال الرسول ﷺ: إن كان واسعًا فالتحف به، وإن كان ضيقًا فاتزر به (١).
والحال الثالثة: أن يكون الثوب لا واسعًا فليتحف به، ولا ضيقًا فيتزر به، وهذا هو ما دل عليه حديث سهل بن سعد، فكانوا يصلون في ثوب وسط بين الضيِّق والواسع، فكانوا يعقدون إزارهم على قفاهم، حيث يجعلون الثوب بمنزلة الإزار والرداء مع كون الإزار ليس من السعة بحيث يخالف بين طرفيه، فيعقده على قفاه، فإذا عرفت صفة الإزار في حديث سهل، فإنه يكشف لك أن ستر العورة لو كان واجبًا في الصلاة، لما ستروا ما فوق السرة إلى المنكب مع قيام الخوف من بُدُوِّ العورة لمن خلفهم حين السجود والنهوض منه، فكان يمكن إرشادهم إلى الاتزار به فقط كحال الإزار إذا كان ضيقًا؛ ليكون الإزار سابغًا على العورة، فإن القدر الذي كان يستر به بطنه وصدره إلى عنقه لو اتزر به فقط لستر به كل ساقه، فلا يخشى من بُدُوِّ العورة لمن خلفهم عند السجود والنهوض، ولكان أمر الرجال بهذا أسهل من أمر النساء أن يتأخرن عن متابعة الإمام مع استحبابها من أجل ألا يقع النظر منهن على عورات الرجال، فلما احتاط النبي ﷺ لعورة النظر، ولم يحتط لعورة الصلاة عُلِمَ أن انكشاف العورة في الصلاة لا يفسد الصلاة؛ لأن هؤلاء كان بإمكانهم أن يدفعوه بالاقتصار على الاتزار فقط، ولم يفعلوا، ولم يؤمروا بدفعه، وإنما أمر النساء بتأخير المتابعة من أجل النظر، كل هذا دليل على أنه ليس بمفسد أصلًا؛ لأن المصلي مأمور بقطع كل ما يخشى منه إفساد صلاته.
والقول بأنهم كانوا يفعلون ذلك من أجل ستر المنكب بعيد جدًّا، فالمنكب على الصحيح ليس بعورة بالإجماع ويبعد أن يحرص الصحابة على ستر المنكب