للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الدليل السادس:

أن ما كان فرضه الإصابة لا بد فيه من اليقين، وما كان فرضه الاجتهاد يكفي فيه غلبة الظن، فلو تحرى دخول الوقت، وصلى فبان أنه صلى قبل الوقت لم يجزئه، ولو اجتهد في القبلة في السفر، فبان أنه أخطأ أجزأه.

والفرق أن دخول الوقت فرضه الإصابة، فكان لابد فيه من اليقين، ويمكنه أن يؤخر الصلاة حتى تقع في الوقت يقينًا، أو يخشى فوات الوقت، فإذا لم يفعل فقد فرط، بخلاف القبلة فإن الفرض فيها الاجتهاد، لا الإصابة، فيكفي فيها غلبة الظن (١).

• ويناقش:

بأن قوله: ما كان فرضه الإصابة فلابد فيه من اليقين، هذا الكلام دعوى في محل النزاع، فأين الدليل عليه.

• دليل من قال: يعمل بالظن إذا تعذر اليقين:

المجتهد إذا وجد نصًّا فإنه لا يعدل عنه إلى الاجتهاد، فكذلك من قدر على العلم فلا يذهب إلى الظن.


(١) وقال إمام الحرمين، في التفريق بين الاجتهاد في الوقت والاجتهاد في القبلة، قال في الجمع والفرق (١/ ٣٢٥): «دلائل المواقيت غير محصورة المطالع والمغارب، والغالب أن الناس مع تواري الشمس والقمر بالسحاب يستدركون مواقيت الصلاة بالأفعال التي يباشرونها، ولهذا جوزنا للأعمى الاجتهاد في المواقيت، وأما القبلة فإنها تستدرك بالمطالع والمغارب، وأحيانًا تتوارى الكواكب وتحتجب، والغالب أن الالتباس إنما يقع في مثل هذه الحالة، فتحتاج إلى الاستدلال على كيفية (سيرها ومواضعها)، فصار أصل الدليل مجْتَهَدًا فيه.
وفرق آخر: أن المجتهد في الوقت قادر على الاستبراء بالتأخير ليتيقن دخول الوقت، ولا يضره التأخير، وإذا استعجل ثم بان له أنه صلى قبل الوقت فقد أُتِيَ من جهة نفسه.
وأما المجتهد في القبلة فلابد له من تعيين جهتها وتمييزها عن سائر الجهات، فليس ينسب إلى تقصير وتفريط».
وعندي أن التفريق الذي اخترته أولى، ولأن ترتب المسَبَّب على سببه أقوى من ترتب المشروط على شرطه، فإذا تخلف السبب تخلف المسَبَّب، فالمخطئ في الوقت فاعل للصلاة قبل وجوبها عليه، وأما المخطئ في القبلة فهو فاعل لها بعد وجوبها، والله أعلم. وانظر: الحاوي الكبير (٢/ ١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>