للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأشرف خليل فأعجبه ذلك، وحظي عنده ابن السلعوس فجعله ناظر ديوانه، وكان يكتب خطا جيدا، فلما بلغ المنصور قلاوون أن ابن السلعوس قد احتوى على عقل ولده خليل فأمر بنفيه إلى مكة، فأقام بها إلى أن مات قلاوون، وتسلطن ابنه خليل أرسل خلفه، كما تقدم.

فلما حضر استقر به وزيرا وفوض إليه أمور المملكة، وأحال الأمراء وأعيان الناس في أشغالهم عليه، ورسم السلطان لجماعة من رؤوس النوب والمماليك السلطانية بالركوب في خدمته كل يوم، فصار يركب في موكب عظيم، وكانت القضاة الأربعة تركب قدامه في أيام المواكب، فرقى ابن السلعوس في دولة الأشرف خليل إلى السهى، وأظهر من العظمة والكبرياء أمرا عظيما، وصارت الناس قاطبة على بابه، وانفرد بالكلمة، وصار صاحب الحل والعقد بالديار المصرية، فكان كما قال القائل:

مَلِكٌ إِذَا قَابَلتُ بِشَرَ جَبِينِهِ … فَارَقْتُهُ وَالْبِشْرُ فَوْقَ جَبِينِي

وَإِذَا لَثَمْتُ يَمِينَهُ وَخَرَجْتُ مِنْ … أَبْوَابِهِ لَثَمَ الْمُلُوكُ يَمِينِي (١)

وكان الأشرف خليل لما قتل الأمير طرنطاي النائب صفا له الوقت وطاش، واستخف بالناس، وعظم أمره، ثم إنه جرد وخرج بنفسه إلى نحو البلاد الشامية، وقصد حصار مدينة عكا، وكانت بيد الفرنج، وكانوا يقطعون الطريق على المسلمين من التجار وغيرهم، فتوجه الأشرف خليل إليها وحاصرها ونصب عليها المناجنيق، وكان عدتهم نحو خمسة وسبعين منجنيقا، فأقام يحاصرها مدة يسيرة هو والعساكر، فأعطاه الله تعالى النصر ففتحها بالسيف في يوم الجمعة سابع عشر جمادى الآخر من سنة تسعين وستمائة (٢).

فلما فتحت عكا فأمر بهدم سورها، وكذلك صيدا وبيروت، وكانت مدينة عكا من أحسن المدائن، وأعمرها، وصاروا الناس من بعد ذلك ينقلون منها الرخام الملون مدة طويلة، ومن جملة ما نقل منها وهو الباب الرخام الذي على المدرسة الناصرية التي بين القصرين، وكان هذا الباب على كنيسة بها، ولما


(١) بحر الكامل؛ البيتان لعمارة اليمني. (انظر: الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية ٢/ ٢٩٨).
(٢) في جواهر السلوك، ابن إياس، ص ١٣٦: الخبر جاء مضطربًا وغير واضح؛ كما جاء في أحداث سنة ٦٨٩ هـ.

<<  <   >  >>