للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السن، وقد [١/ ٢٤٥] ضاعت الكلمة، ووقع بين الأمراء الخلف، ومن الرأى أن نخلع الملك الناصر من السلطنة وتولي الأتابكي قانصوه".

فقيل: أنهم خلعوا الملك الناصر من السلطنة، وولوا الأتابكي قانصوه خمسمائة، وتلقب بالملك الأشرف، وباسوا له سائر الأمراء الأرض، وكذلك سائر العسكر، ونودي اسمه في القاهرة، وضج له الناس بالدعاء، غير أنه ما لبس خلعة السلطنة، ولا جلس على سرير الملك، ولا حملت القبة والطير على رأسه، ولا كتب له تقليدًا من أمير المؤمنين، فبموجب ذلك لم نعده من جملة السلاطين، ولا أنتظم في عقدهم، فهذا ما كان من أمره.

فلما كان يوم الخميس سلخ جمادى الأول أرسل الأشرف قانصوه خمسمائة إلى الملك الناصر محمد بأن يدخل إلى قاعة البحرة، ويُرسل إليه الترس والنمجاه والدواه، فتعصبوا له المماليك الأجلاب الذي (١) كانوا عنده في القلعة، وصاروا يسمون المماليك الناصرية، فعند ذلك فتحوا باب الزردخاناة، ولبسوا آلة الحرب، وركبوا المكاحل بالقلعة، وحاصروا الأشرف قانصوه وهو في باب السلسلة، فقاتلوه أشد القتال، فملكوا في ذلك اليوم باب المدرج، والطبلخاناة السلطانية، ورأس الصوة.

فلما كان يوم الجمعة وقت صلاة الجمعة حاصروا الأشرف قانصوه، حتى أخرجوه من باب السلسلة، فخرج وركب، ووقف عند سبيل المؤمني، واستمر القتال عمال بين الفريقين، فلم يشعر الأشرف قانصوه خمسمائة إلا وقد جاءه سهم في وجهه، فسقط عن فرسه، وأغمى عليه، فحملوه الغلمان على أكتافهم، ونزلوا به من الصليبة.

وقيل: أنهم في أثناء الطريق اركبوه على حمار، وهو مغمى عليه لا يفيق، ولا يعي، فتوجه إلى نحو بيته الذي في قناطر السباع، فاختفى في مكان هناك، فلما عاينوا ذلك من كان معه من الأمراء والعسكر تشتتوا أجمعين وولوا مدبرين، وكانت هذه النصرة على غير القياس، كما قال القائل في المعنى:

وَلا تَحْتَقِرْ كَيْد الصَّغير فَرُبَّما … تموت الأفاعي من سُمُومِ العَقَارِبِ

وَبَيْنَ اخْتِلافِ اللَّيلِ وَالصُّبْحُ مَعْرِكٌ … يَكرُ عَلَيْنَا جَيْشُهُ بِالْعَجَائِبِ (٢)

ولما جرى ذلك، وهرب من كان في باب السلسلة من الأمراء والعسكر، فنزل المماليك الأجلاب على من بقي في باب السلسلة، فنهبوا كل ما كان عند


(١) كذا في الأصل، والصواب "الذين".
(٢) بحر الطويل؛ والبيتان لنجم الدين عمارة اليمني. (انظر: مرآة الزمان ٢١/ ٢٠٢).

<<  <   >  >>