للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان ناظرًا إلى مصالح الرعية، وكان كفوًا للسلطنة، وافر العقل، كامل الهيئة، مهاب الشكل، مُستدير اللحية، أسود الشعر، طويل القامة، أبيض اللون، جسيم البدن، مليح الشكل، ولكن لم يساعده الزمان على مطلوبه وخانه الدهر في مقصوده، كما قد قيل في المعنى:

إذا طبع الزمان على اعوجاج … فلا تطمع لنفسك في اعتدال (١)

فلم يتم أمره في السلطنة، وتقلب عليه مماليك أبيه، ووثبوا عليه في شهر رمضان، وحاربوه ثلاثة أيام وهو محاصر في القلعة، فانكسر الملك المؤيد، وقبضوا عليه، وعلى أخيه المقر الناصري محمد، وسجنوهما بقاعة البحرة، وقيدوهما فلم يجدوا لهما من ناصر ولا معين، كما قال القائل:

إلى الماء يسعى من يعض بلقمة … فأين يسعى الذي قد غص بالماء؟ (٢)

أنى وجدت السم عند أحبتي … فهل عند أعدائي يكون دوائي (٣)

ثم إن الأتابكي خشقدم تولى السلطنة بعد الملك المؤيد أحمد، ثم أقام الملك المؤيد وأخيه بقاعة البحرة إلى أن أنزلوهما من القلعة إلى البحر، وتوجهوا بهما في الحراقة إلى ثغر مدينة الإسكندرية، ولما نزلوا بهما وهما في قيود، الملك المؤيد أحمد وأخيه الناصري محمد، فأنزلوهما من الصليبة وقت الظهر على النداء (٤) والاجهار وأوجاقي بخنجر إلى جانب الملك المؤيد، وكذلك أخيه محمد، فكثر عليهما الأسف والحزن من الناس، وكان المستفر عليهما الأمير خير (٥) بك المصارع، فلما وصلوا إلى ثغر الإسكندرية [١/ ٢٠٨] سجنوا الملك المؤيد وأخيه، ورجع الأمير خير بك إلى القاهرة.

فكانت مدة سلطنة الملك المؤيد أحمد بن الأشرف أينال بالديار المصرية أربعة أشهر وثلاثة أيام؛ وكانت أيام دولته كالأعياد، وأحبته الناس حبًا شديدًا.

ثم إن الملك المؤيد أقام بالسجن هو وأخوه الناصري محمد، ثم إن الناصري محمد توفي هناك بثغر الإسكندرية، ونقل بعد موته إلى القاهرة، ودفن على أبيه الملك الأشرف، ومات وله من العمر نحو من عشرين سنة.


(١) بحر الوافر.
(٢) في جواهر السلوك ٣٤٠: "إلى أيما تسعى من بعض بلعمة * فأين للهيفي الذي قد غص بالماء".
(٣) بحر الطويل؛ لم يرد في بدائع الزهور.
(٤) في جواهر السلوك ٣٤٠: "ابتداء".
(٥) في بدائع الزهور ٢/ ٣٨٠ وجواهر السلوك ٣٤٠: "خاير".

<<  <   >  >>