للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن النكت اللطيفة: قيل: أن بعض العلماء خرج ليستسقي بالناس في بعض البلاد (١)، وكان بالسماء بعض سحاب وقت خروجه، فلما خرج ودعا للناس ورفع يديه بالدُعَاءِ، فأصحت السماء وتقطع ذلك السحاب واشتدَّ حرّ الشمس، فخجل ذلك العالم الصالح من الناس، فأنشد في هذه الواقعة بعض الشعراء (٢):

خرجنا لنستسقي بفضل دعائه … وقد كاد سحب الغيم أن يلحق الأرضا

فلما بدا يدعو تكشفت السما … فما تم إلا والسحاب قد انفضا (٣)

فلما نزل قاضي القضاة يحيى المناوي من على المنير، ورجعت الناس من الاستسقاء، طلع ابن أبي الرداد ونادى بزيادة أصبع؛ وقيل: لم يكن لهذا الزيادة صحة، ثم إن النيل نقص عن ذلك أصبعين، فرسمَ السُلطان بكسر السدّ من غير وفاء، فلم يجر الماء إلا قليلا، ودخل غالبه إلى بركة الفيل من عند البحمُون، ثم نزل البحر من بعد ذلك ولم يزد شيئًا.

فعند ذلك حصل للناس الضرر الشامل، وشرّقت البلاد، وتشحطت الغلال، وتزايد سعر القمح والشعير والفول وسائر الحبوبات، وصار السعر في كل يوم يتزايد حتى بلغ كلّ أردب قمح أربعة أشرفية ثم تناهى من بعد ذلك إلى ستة أشرفية وسبعة أشرفية كلّ أردب، وعم هذا الغلاء سائر البلاد، ومات فيه أكثر البهائم والأشجار، وغلاء سعر كل شيء، وجاء عقيب ذلك فناء عظيم، وَمَاتَ فيه جماعة كثيرة من الناس، واستمر هذا الغلاء من سنة ثلاث وخمسين إلى سنة أربع وخمسين وثمانمائة.

وفي هذه التشويطة صار الأمراء ينقلون مغلهم من الشون إلى بيوتهم، وحولهم المماليك بالسلاح خوفًا من العوام أن ينهبونه، ثم إن العوام رجموا القاضي زين الدين أبو الخير بن النحاس وكيل بيت المال، قيل: أنه قال: "العوام يأكلون بدرهم حشيش ويأكلون فوقه بأربعة أنصاف حلوى، فيأكلوا بأربعة أنصاف خُبز ويتركوا أكل الحشيش والحلوى"، فرجموه وهو نازل من القلعة، وخطفوا شاشه من على رأسه، ورجموا العلائي علي [١٩٩/ ١] بن الفيسي محتسب القاهرة، وصار بعض العوام يخطفون الخُبز من على الدكاكين.


(١) في بدائع الزهور ٢/ ٢٨٣: "بغداد".
(٢) في بدائع الزهور: ٢/ ٢٨٣: البيتان لدعبل الخزاعي.
(٣) بحر الطويل.

<<  <   >  >>