فلما رجعا إلى السلطان برقوق بهذه الرسالة، وأخبراه بذلك فقعد في الأسطبل السلطاني هو والخليفة حتى صلى العشاء، وقام الخليفة من عنده، فبقي وحده، وعنده من المماليك الجمدارية نحو خمسة، فأمرهم بالانصراف، فلما انصرفوا قام برقوق من مكانه وتنكر ولبس عمامة، ونزل من الأصطبل واختفى؛ فعند ذلك وقع النهب في الحواصل السلطانية، وذلك في ليلة الإثنين خامس جمادى الآخر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة.
وكان سبب عداوة يَلْبُغَا الناصري مع السلطان برقوق، لأنه سجن يَلْبُغَا الناصري في ثغر الإسكندرية مرتين، ونزل به وهو مُقيد المرة الأولى في دولة الملك المنصور علي ابن الأشرف شعبان، وكان يَلْبُغَا الناصري أمير سلاح.
والمرة الثانية في دولة الملك الظاهر برقوق، فأرسل برقوق قبض على يَلْبُغَا الناصري وكان يَلْبُغَا الناصير نائب حلب؛ ثم إن برقوق أفرج عن يَلْبُغَا الناصري ثاني مرة وأعاده إلى نيابة حلب.
فلما جرى له مع سُودُون المظفري ما تقدم ذكره، وقتل سُودُون المظفري فأظهر يلبغا الناصري العصيان، وخرج عن الطاعة، واتفق مع النواب وتوجهوا إلى الديار المصرية، فكانت النصرة ليلبُغَا الناصري على السلطان برقوق، وتحكم في يَلْبُغَا الناصري كما يختار، ولولا كان في أجل برقوق مهلة وإلا كان يَلْبُغَا الناصري قتله لا محاله، فكان كما يُقالُ في المعنى:
توقع كيد من خاصمت يوما … ولا تركن إلى ود الأعادي
فإن الحجر ينكث بَعْدَ حين … إِذَا كَانَ البَنَاءُ عَلَى فَسَادِ (١)
فلما اختفى برقوق ووقع النهب في الحواصل، وذلك في ليلة الإثنين.
فلما أصبح يوم الإثنين وصل يَلْبُغَا الناصري، وصحبته تمربعًا الأفضلي منطاش، فوقفوا في سوق الخيل ساعة، فأتى إليهم أمير المؤمنين، فاجتمعوا كلهم في باب السلسلة، واشتوروا في ذلك اليوم فيمن يسلطنوه، وباتوا تلك الليلة بلا سلطان.
فلما أصبحوا يوم الثلاثاء سادس جمادى الآخر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وقع الاتفاق من يَلْبُغَا الناصري وبقية الأمراء على عود الملك الصالح أمير حاج ابن الملك الأشرف شعبان، فطلع الأمراء إلى الحوش السلطاني، ثم طلبوا الملك الصالح، فخرج إليهم من دور الحرم، فقاموا إليه