فلما كان يوم السبت خامس عشر جمادى الأول جاءت الأخبار بأن أوائل عسكر يَلبُغَا الناصري قد وصل إلى عند المطرية، فعند ذلك نزل السلطان من القلعة، فركب، ودقت الكوسات حربي، وتوجه السلطان إلى عند دار الضيافة، فوقف على كومٍ هناك، وتوجه الأمراء إلى قبة النصر، فأقاموا هناك إلى آخر النهار، فرجع السلطان إلى باب السلسلة وبات به.
فلما كانت تلك الليلة هرب أكثر الأمراء إلى عند يَلبُغَا الناصري، ومعهم نحو خمسمائة مملوك، وقد ظهر على السلطان برقوق عين الغلب، وتلاشى أمره، ولم يبق معه من الأمراء سوى المقر السيفي سودُون الفخري نائب السلطنة، وتمربعًا المنجكي، وسيدي أبي بكر بن سنقر الجمالي، وبيبرس التمان تمري، وسُودُون الطرنطاي، وقجماس ابن عم السلطان، وبعض مماليك سلطانية، فأراد السلطان أن يُسلم نفسه إلى يَلبُغَا الناصري، فمنعوه الأمراء من ذلك.
فأقام إلى بعد العصر، فوصل الأمير بزلار العُمري، والأمير الطنبغا الأشرفي، والأمير طقطاي الطشتمري، ومعهم نحو ألف وخمسمائة مملوك (١)، فوصلوا إلى تحت الطبلخاناة السلطانية، فنزل إليهم بطا الخاصكي وسكزباي الخاصكي، ومعهما نحو عشرين مملوكًا، فتراموا بالنشاب عند المدرسة المنجكية، فكسروا عسكر يَلبُغَا الناصري، وشحتوهم إلى بين الترب.
فلما بلغ يَلبُغَا الناصري أن جاليشة قد انكسر فأراد أن يهرب من هناك، وأرسل بركه وقماشه إلى عند القنطرة التي عند المرج والزيات خوفًا من النهب.
فلما كان ليلة الإثنين سابع عشرين جمادى الأول تسحب من بقي عند السلطان من الأمراء والمماليك، ولم يبق عنده سوى سيدي أبي بكر بن سنقر الجمالي، وبيدمر المجدي شاد القصر، فطلبهما السلطان وأرسلهما إلى يَلبُغَا الناصري، وأرسل معهما الترس والنمجاة إلى عند يَلبُغَا الناصري، وأرسل يقول له:"السلطان يُسلم عليك، ويقول لك بأن تأمنه على نفسه".
فلما وصلا إلى يَلبُغَا الناصري وذكروا له ما قاله السلطان، فقال يَلبُغَا الناصري:"هو أمن على نفسه من القتل، ولكن قولا له يغيب من القلعة ويختفي أيامًا، حتى تنكسر حدة الذين حضروا من الشام".