للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فطلبوا الأمير سُودُون المظفري ليسمع مراسيم السلطان، فأبطأ بالحضور إلى أن أرسلوا خلفه أربع مرات، والقضاة جالسين، فحضر بعد ساعة طويلة، وكان لابسا من تحت ثيابه (١)، هذا ما كان من أمر سُودُون المظفري؛ وأما ما كان من أمر يَلْبُغَا الناصري فأنه رتب جماعة من مماليكه، وألبسهم آلة الحرب، وأوقفهم ليقتلوا سُودُون المظفري إذا دخل.

فلما دخل سُودُون من باب دار السعادة تقدم إليه قازان البرقجي أمير أخور يَلْبُغَا الناصري، وجس كتفه فراه لابس من تحت ثيابه، فقال له: "يا أمير سُودُون الذي يطلب الصلح يدخل دار السعادة وهو لابس آلة الحرب"، فشتمه سُودُون المظفري، فسل قازان سيفه وضرب بهِ سُودُون، فخرجوا إليهِ ذلك المماليك الذي (٢) أكمنهم يَلْبُغَا الناصري، فلما رأوا مماليك سُودُون المظفري ذلك سَلُّوا سُيُوفهم، واتقعوا مع مماليك يَلْبُغَا الناصري، فقتل سُودُون المظفري، وقتل معه أربعة من مماليكه.

وأظهر يَلْبُغَا الناصري العصيان بالكلية، وألتف عليه جماعة من المماليك الأشرفية، وألتف عليه تمربغا الأفضلي المدعو منطاش من مماليك الملك الظاهر برقوق، كان لهُ مُدّة وهو عاص على السلطان، هاجج في البلاد الشامية، فألتف على يَلْبُغَا الناصري.

فلما رأى الأمير تلكتمر المحمدي الذي أرسله السلطان في أمر الصلح بين يَلْبُغَا الناصري وبين سُودُون المظفري، فقصد التوجه إلى نحو القاهرة؛ ولولا كان بينه وبين يَلْبُغَا الناصري صحابة قديمة وإلا كان قتلهُ يَلْبُغَا الناصري، وكان السلطان أرسل معه مراسيم بقتل يَلْبُغَا الناصري (٣)، فلما بلغ يَلْبُغَا ذلك أظهر العصيان وخرج عن الطاعة.

فلما حضر الأمير تلكتمر المحمدي إلى عند السلطان، فأخبره بما وقع من هذه القضية، فلما بلغ السلطان ذلك أرسل إلى الأمير أينال اليوسفي تقليدًا بنيابة حلب عُوضًا عن يَلْبُغَا الناصري، وكان أينال اليوسفي أتابكا بدمشق.

ولما كان يوم الأربعاء تاسع عشر صفر (٤) من السنة المذكورة، نصب السلطان عدة صواوين في الميدان الذي تحت القلعة، وأرسل خلف سائر


(١) في بدائع الزهور ١/ ٢/ ٣٩٦: "لابس زردية من تحت ثيابه".
(٢) كذا في الأصل، الصواب "الذين".
(٣) في الأصل "الناصر".
(٤) في بدائع الزهور ١/ ٢/ ٣٩٦: "وفي يوم الأربعاء تاسع ربيع الآخر".

<<  <   >  >>