للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم دخلت سنة ست وثمانين، فيها: حضر إلى الأبواب الشريفة المقر السيفي بيدمر الخوارزمي نائب الشام صحبته هدايا وتقادم عظيمة، فقبل منه السلطان ذلك، وأخلع عليه، وأجلسه فوق نائب السلطنة بمصر، فأقام بمصر مدة يسيرة، ورجع إلى الشام على عادته.

وفيها غضب السُلطان على القاضي تقي الدين ناظر الجيوش المنصورة وضربه علقة قوية تحت رجليه نحو مائة وخمسين عصاه (١)، فلما نزل إلى بيته أقام يومين ومات، وذلك في يوم الأربعاء خامس عشر جمادى الأول سنة ست وثمانين، وفي ذلك يقول شهاب الدين بن العطار:

يكفى التقى كرامة أبدت له … نيل الشهادة واعتدى بأمان

بشرى الذي قد عاش طول حياته … عيش الملوك ومات بالسلطان (٢)

فلما مات القاضي تقي الدين أخلع السلطان علي القاضي موفق الدين أبي الفرج، واستقر به ناظر الجيوش المنصورة عوضًا عن تقي الدين.

وفي هذه السنة: توفي الشيخ الإمام العلامة العالم العامل الورع الزاهد أكمل الدين محمد ابن الشيخ شمس الدين محمد ابن الشيخ جمال الدين أبي الثناء محمود الرومي البابرتي الحنفي شيخ الخانقاة الشيخونية، توفي في ليلة الجمعة تاسع عشر شهر رمضان سنة ست وثمانين وسبعمائة، ودفن في يوم الجمعة، وكانت جنازته مشهودة، حضرها السلطان الملك الظاهر برقوق، فأخرجوه من الخانقاة، وصلوا عليه في سبيل المؤمني، ومشى السلطان من المصلاة إلى الخانقاة الشيخونية عند عوده، وَأَرَادَ أَنْ يحمل نعشهُ، فلم يُمكنُوه الأمراء من ذلك، ودفن إلى جانب قبر الأتابكي شيخوا داخل القبة التي في الخانقاة.

وكان الشيخ أكمل الدين من أكابر الحنفية، وله مُصنفات كثيرة في أنواع العلوم، وكان قد تبحر في أنواع العلوم، وعُرضت عليه قضائية الحنفية عدة مرار، وهو يأبى من ذلك، وكان الواقف أشرط له المشاركة في النظر على وقف الخانقاة الشيخونية، فباشر ذلك أحسن مباشرة، وكان له كلمة نافذة مع حرمة وافرة، وكان سكنه في البيت الذي في الخانقاة دائمًا على الدوام، ومات وقد جاوز سبعين سنة من العمر، رحمة الله عليه، وفيه يقول شهاب الدين بن أبي حجلة التلمساني:


(١) في بدائع الزهور ١/ ٣٤٧/ ٢: "فأمر بضربه بين يديه، فضرب نحو ثلاثمائة ضربة بالعصى".
(٢) بحر الكامل.

<<  <   >  >>